ثامنًا: التربية على الاستخدام الأمثل للوقت وعدم تضييع الثواني، فضلاً عن الدقائق والساعات أعرف بعض إخوانكم ممن يعتكف الدقيقة عنده تعادل ساعة في الأيام العادية، والساعة تعادل يومًا؛ لأنك وقتَها بين ذكر واستغفار وقراءة القرآن وتفكر والنظر في بعض مسائل العلم إن احتجت إليها فتصبح الدقيقة لها قيمة هذه حياتك، إذا كنت استطعت أن تجلس عشرة أيام استثمرتها هذا الاستمثار الأمثل فكذلك في بقية حياتك تتعود على الاستخدام الأمثل والاستثمار الأمثل للدقائق والثواني.
تاسعًا: من ثمرات الاعتكاف التربية الجادة والأخذ بعزائم الأمور.
عاشرًا: أحياء سنة عظيمة من أعظم السنن التي هجرها كثير من الناس، وهي سنة الاعتكاف.
قبل سنوات ما كان يعتكف إلا بعض كبار السِّن أما الآن فقد أحييت هذه السنة، وانتشر في المساجد إحياء هذه السنة، فإذا اعتكفت، يا أخي، فأنت تحيي سنة عظيمة كاد أن يهجرها كثير من الناس.
الحادي عشر: من ثمرات الاعتكاف ترك المعاصي أو التقليل منها.
الثاني عشر: وهو درس مهم وثمرة مهمة، وذلكم التربية على الصبر ومجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى والشيطان، ونحن في هذه الأزمة التي تعيش فيها هذه الأمَّة نحتاج إلى التربية على الصبر، نحتاج إلى التربية على مجاهدة النفس، نحتاج إلى التربية على التخلي عن كثير من الأمور والعادات التي كسبناها ولا حاجة إليها، فالاعتكاف يربي فيك هذه الخصلة.
وهنا وقفة مهمة بعض الإخوان يقول: أنا لا أستطيع أن أعتكف العشر الأواخر، يا أخي الكريم، أعتكف خمس ليالي، وأعتكف على الأقل كل ليلة من ليالي الأوتار لعلها توافق ليلة القدر .. اعتكف من ليلة السابع والعشرين إلى التاسع والعشرين على حسب طاقتك وظروفك، فهي أيام قليلة وتخرج بهذه الثمار بل أكثر من هذه الثمار؛ لأن ما ذكرته ليس على سبيل الحصر فربما تخرج بفوائد وثمرات لم يعرفها غيرك، ولذلك لو التقيت بالمعتكفين بعد انتهاء الاعتكاف وجلسوا يتدارسون: ماذا استفادوا من الاعتكاف؟ كل واحد يعطي فائدة قد لا يجدها الآخر، إما لظرف مر به أو بسبب عمله أو تجربته أو حياته يكتشفه مالا يكتشفه الآخرون، أعرف بعض كبار السن من سنوات طويلة قد تصل إلى عشرين أو ثلاثين سنة لم يتركوا الاعتكاف مرة واحدة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يترك الاعتكاف حتى مات، منذ بدأه – صلى الله عليه وسلم – حتى مات إلا إذا كان خارج المدينة، بل السنة التي تركها في رمضان بسبب قضية أزواجه قضاه في شوال – صلى الله عليه وسلم – وصية ونصيحة: وأنصح بعض الشباب أن يتخلوا عن كثير من أنواع الاعتكاف التي أراها من تجمعات وحفلات ومطاعم وأحاديث بل غيبة ونميمة وهزل وضحك ويقولون نحن معتكفون، وكثير من مظاهر الاعتكاف رأيتها في الحرم وهو أفضل مكان يعتكف فيه ومع ذلك يفتقد إلى ضوابط الاعتكاف المشروع، ما تسمعه وما تراه من بعض الشباب - هداهم الله - ليس هو الاعتكاف، إذا اعتكف أحد منكم فليعتكف الاعتكاف الصحيح وإن وقع منه تقصير أو خطأ فليعد إلى الله سبحانه وتعالى ويلح عليه أن يتقبَّل منه هذا الاعتكاف.
ثم في آخر المطاف اسأل نفسك ماذا استفدت بماذا خرجت؟ وأنصح الواحد منكم أن يكون عنده قلم وورقة أي فكرة تأتيه في الاعتكاف يقيدها إياك إياك أن تقول أنا أحفظها لن أنساها .. ساعات وتنساها أو بعد ما تتعدى الاعتكاف بأيام تنساها .. كان الإمام البخاري، وهو في فراشه، فتأتيه الفكرة فيقوم فيوقد السراج فيكتب هذه الفكرة أو هذه الفائدة ثم يطفيء السراج فينام ثم تأتيه الفكرة فيقوم يوقد السراج فيسجل هذه الفكرة ثم ينام، أحيانًا يكرر هذا العمل عشرين مرة في الليلة الواحدة، أي فكرة سجَّلَها لا تقل: لا تنفع قد يأخذها واحد آخر ويطورها وينميها قد يكون في هذه الفكرة اليسيرة حل مشكلة من مشكلات الأمة الصعبة، فنصيحتي أن تجعل عندك دفترًا وأنت في معتكفك وسجل فقد تخرج بثروة لا تقدَّر بثمن، أولا ً تعود نفسك على ذلك في الدروس والمحاضرات، فعوِّدوا أنفسكم على ذلك.
ومن ثمرات الاعتكاف في العشر الأواخر الحرص على ليلة القدر كما ذكر العلماء؛ ولذلك اختارها النبي – صلى الله عليه وسلم – ونص على ذلك، فألحوا على الله واجتَهدوا بالدعاء لكم ولأسَرِكم ولعَوائلِكم ولإخوانكم المسلمين في مَشارق الأرض ومغاربها ولإخوانكم المأسورين الذين ينتظرون منكم الدُّعاء، ينتظرون منكم مناجاة تناجون ربكم أن يفكَّ أسرَهم، وأن يفرج كربتهم وأن يعيدهم إلى أهلهم غانمين سالمين، إخوانكم في فلسطين الآن ينتظرون دعاءَكم وينتظرون مواقفكم وينتظرون تبرُّعاتكم وزكَوَاتكم فألحوا على الله في هذه الأيام المباركة، يا أخي الكريم، ليلة واحدة أفضل من 83 سنة والله أعلم بمقدار هذه الخيرية، وهذه ليلة واحدة مضمونة لو واظبت على العشر الأواخر، بل قد تكون تسع ليالي مضمون لك موافقتها، إذا قمت إيمانًا واحتسابًا وصدقت مع الله، كيف نضيع هذه الفرص، ثلاث فرص جاءتنا في رمضان والمحروم مَن حُرِمَهَا، ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))، والخسران الذي تمر عليه كل هذه الفرص الثلاث ولا يغفر له، ثلاث فرص قد تحصل عليها جميعًا بإذن الله إذا صدقت ((إيمانًا واحتسابًا))، فاصدقوا مع الله وتوبوا إلى الله وعودوا إلى الله وجاهدوا أنفسكم.
أسألُ الله أن يتقبَّل مني ومنكم، وأن يوفقنا لليلة القدر، وأن يتقبل منا!!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. أجمعين!!
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.alukah.net/articles/1/3525.aspx?cid=234#_ftnref1) أصل هذه الرسالة درس ألقاه/ ناصر بن سليمان العمر، ليلة العشرين من رمضان عام 1423هـ، وتم نسخه ونشره لتعم الفائدة ولذلك قد يلحظ بعض العبارات التي تناسب الدروس لا التأليف.
[1] ( http://www.alukah.net/articles/1/3525.aspx?cid=234#_ftn1)
المصدر: موقع الألوكة ( http://www.alukah.net/articles/1/3525.aspx?cid=234)