تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد صرحت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال هذا الشرط والاعتماد على الرؤية أو إكمال العدة.

وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه الكريم، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} سورة النساء (59)، وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} سورة الشورى (10)، وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} سورة النساء (65)، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة، أو إكمال العدد، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما. وحكمه صلى الله عليه وسلم لا يختص بزمانه فقط، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة؛ لأنه رسول الله إلى الجميع.

والله سبحانه أرسله إلى الناس كافة، وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره. وهو العالم بغيب السماوات والأرض والعالم بما سيحدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم من المراصد وغيرها، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود مخالفة لحساب الفلك.

وهو سبحانه لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، لا فيما سبق من الرمان، ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وخنس إبهامه في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا. وأشار بأصابعه العشر, فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين»، وفي لفظ آخر: «فأكملوا العدة»، يرشد بذلك أمته عليه الصلاة والسلام إلى أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين، وتارة يكون ثلاثين. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة»، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب، ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها، أو جعلها معيارا للرؤية لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة بأن الهلال قد ولد. فهذا كله باطل.

ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها. وفي أماكن الرؤية للهلال أو عدم ذلك. ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة؛ لأنهم ليسوا معصومين، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة.

وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، كما يعلم ذلك من كتب الأصول، وعلم مصطلح الحديث.

والرؤية لهلال رمضان هذا العام أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء قد ثبتت لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها لموافقتها للأدلة الشرعية، وبطلان ما يعارضها. وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان للأحاديث السابقة ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير