تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأعياد المحدثة]

ـ[لطف الله خوجه]ــــــــ[01 - 10 - 08, 02:41 م]ـ

في هذا المبحث، ليس القصد بالذات تصديرَ حكمٍ، إنما بيان كيف بُني الحكم؛ أي هو بالأصالة جواب سؤال ابتدء بـ"لماذا"؟، وبالتبع جواب سؤال ابتدء بـ"ماذا"؟.

الأعياد الطارئة على الأمة في قرون لاحقة، والتي لم تكن على علم ولا عمل بها، متعددة أهمها: المولد النبوي، وأعياد الميلاد، والأعياد الوطنية .. إلخ.

وهنا نحن في محاولة معرفة العلل المؤدية لإنتاج حكم تخص هذه الطارئات، ليس مجرد معرفة الإباحة أو التحريم؛ لأن في بيان السبب، والداعي، والباعث، والعلة إقامة لبنيان الحكم مشيدة في النفوس والعقول، فلا تكون عرضة للتشكك والتقلب.

لدينا قواعد قعّدتها الشريعة، تجري الأحكام وفقها، تحليلا وتحريما، فمن ذلك:

1 - العبادات توقيفية، فلا تعبد إلا بما أذن به الشارع.

2 - ما لم يكن في عهد النبوة من متعلقات الدين، مع توفر الداعي، وعدم المانع، فهو محظور.

3 - مضاهاة المشروع نوع من التشريع، والتشريع لله وحده.

4 - (من تشبه بقوم فهو منهم)، وعليه فالتشبه بالكافرين ممنوع، حتى لا يكون منهم.

5 - ما يفضي إلى محرم فهو محرم، فالعمل المباح إذا تضمن فسادا حرم.

فكل عمل، كان دينيا أو دنيويا، وجدت فيه إحدى هذه العلل المانعة، أو أكثر، فهو محظور شرعا. وكل هذه دلت عليها الأدلة الكثيرة المعروفة، والتي يعرفها المشتغلون بالنصوص.

والملاحظ فيها أنها جمعت بين العلل الدينية والدنيوية؛ أي منها ما هو ديني الصبغة، ومنها ما هو دنيوي الصبغة، ومنها ما يجمع بينهما. فالتعبد بما لم يرد، وفعل ما لم يفعل في عهد النبوة، هذه دينية. والفساد في الأرض هو دنيوي. وأما المضاهاة والتشبه فإنها تكون تارة في الدين، وتارة في الدنيا.

* * *

كل عيد محدث فيه نصيب من هذه العلل، بعضها أو كلها، فهو لا شك محظور ممنوع شرعا. لكن قبل أن نستطرد في هذا البيان للحكم، من المفيد تشخيص حالة الأعياد المشروعة في الإسلام بالوصف والنعت، لنعرف منه ما يشبهها، فيكون مضاهيا لها. فالأعياد اثنان هما: الفطر، والأضحى.

وثمة عيد ثالث في معناهما من بعض الوجوه: الجمعة. ووصفنا سيكون للعيدين بالخصوص؛ لأن الكلام يدور عليهما، وعلى ما يضاهيهما، فالعيدان يضم كل واحد منهما ما يلي من الأحكام:

1 - الصلاة. وهي سنة مؤكدة فيهما على الأعيان، فرض كفاية على الأمة.

2 - الصدقة. وهي واجبة في الفطر (="زكاة" الفطر)، وسنة في الأضحى الصدقة من الأضحية.

3 - الذبح. سنة مؤكدة في الأضحى.

4 - الفطر وعدم الصوم. واجب فيهما.

5 - التجمل، والتطهر، ولبس الجديد فيهما.

6 - اللعب واللهو المباح.

7 - الاجتماع على كل ذلك؛ أي إن كل المظاهر السابقة عامة في الجميع، إلا من كان له عذر.

8 - المعاودة كل: أسبوع، أو شهر، أو عام.

9 - ينتج من كل ما سبق: أن تلك المظاهر تدل على مشروعية تعظيم ذلك اليومين بهذه الأفعال.

والجمعة فيها: الصلاة واجبة، والتنظف والتجمل سنة، وليس فيها ذبح، ولا صدقة مأمور بها، وفيها المنع من الصوم، إلا ما كان لسبب، وليس فيها اللهو واللعب.

فهناك شعائر واجبة (= الاجتماع للصلاة، وصدقة الفطر، والفطر، وتعظيم اليوم)، ومسنونة (= الصدقة باللحم وغيره، والتنظف والتجمل)، ومباحات (= اللعب واللهو).

قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط (1/ 442): "العيد يجمع أمورا:

- منها: يوم عائد. كيوم الفطر، ويوم الجمعة.

- ومنها: اجتماع فيه.

- ومنها: أعمال تتبع ذلك: من العبادات، والعادات. وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا. وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا".

فإذا عرفنا هذه المظاهر، فإن الذي يترتب على ذلك:

أن أي عيد محدث يتضمن هذه الشعائر كلها فهو يضاهي أعياد الإسلام، فيلحقه المنع بوصفه مضاهاة لما شرع الله تعالى، وفعلٌ لما لم يرد به إذن، ولم يفعل في عهد النبوة. لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد).

فإن تضمن بعضها، فقد يتضمن الشعائر الواجبة أو المسنونة، فوجود هذه فيه يحظره ويمنع منه كذلك؛ لأنه وافقها في الأصول، وكفى بذلك مضاهاة، فيلحق النوع الآنف حكما. لكن إن تجاوز ذلك كله، فلا مضاهاة تامة، ولا في الأصول، لكن في اللهو واللعب والطعام والاجتماع؛ أي في المباحات، فما هذا؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير