المتوفى سنة 150 هـ (ج2ص200): " (والأرض مَدَدْنَاهَا) يعنى بسطناها .. مسيرة خمسمائة عام طولها؛ وعرضها وغلظها مثله", ولكن لا يعتد بشيوع مثل تلك الأخبار خاصة في التفاسير لأنها من باب النقل لا التحقيق؛ وإلا فتدفعها اليوم القياسات العلمية فضلا على أنها قائمة على وهم الأرض المسطحة لا الكروية.
ولك أن تدهش لما بذله علماء الإسلام من جهود في تحقيق الأخبار سندا ومتنا قبل معرفة الحقائق العلمية القاطعة, قال الشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي المتوفى 1276 هـ في كتابه أسني المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ج1ص164): "حديث السماوات وما ورد فيها من بيان معادنها من فضة أو نحاس أو زبرجد؛ كل لك يذكر في السير ولم يصح من ذلك شيء ولا مقدار ما بين كل سماءين ولا بين السماء والأرض من كون ذلك خمسمائة سنة أو ثمانين", وأخرج الترمذي المتوفى سنة 279 هـ في سننه خبر مماثل ولكنه وصفه بالغرابة وانقطاع السند (ج1ص206): "قال نبي الله صلى الله عليه وسلم .. : هل تدرون ما فوقكم؟ , قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف .. , ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ , قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض, ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ , قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين, ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟ , قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها الأرض, ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟ , قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة, ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله .. , قال أبو عيسى هذا حديث غريب .. ويروي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة".
وفي خبر مماثل: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ , قالوا: لا ندري, قال: بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة, ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال (تيوس جبلية قوية القرون) بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك", والحديث أخرجه جملة أئمة عن العباس منهم الإمام أحمد في مسنده (رقم 177) , وأبو داود (2/ 276) , وابن ماجة (1/ 83) , والبيهقي في الأسماء والصفات (ص399) , وابن خزيمة في التوحيد (ص68) والحاكم في المستدرك (2/ 378) , ولكن الترمذي وصفه بالغرابة, وحققه الشيخ محمد زاهد الكوثري وانتهى إلى أنّ الرواية دخيلة سماها "أسطورة الأوعال" في مقالاته (ص308) , وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد بن حنبل (ج1ص206): "إسناده ضعيف جدا", ورده أيضا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقوله: "الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة .. , وللحديث علتان: الاضطراب في إسناده وجهالة أحد رواته .. , وهذا موضوع هام يجب على كل مشتغل بعلم السنة وتراجم الرواة أن يكون على بينة منه كي لا يخطئ بتصحيح الأحاديث الضعيفة اغتراراً .. , إذ كل ما فيه من بيان المسافة بين كل سماء والتي فوقها وكذا البحر فوقها والثمانية أوعال كل ذلك لم يرد فيه شيء صالح للاحتجاج به .. ، (و) هناك أحاديث أخرى في تحديد المسافة المذكورة وهي مع ضعف أسانيدها مختلفة متناقضة ولا داعي للتوفيق بينها", ورده كذلك الشيخ مصطفى العدوي في سلسلة التفسير: (ج51ص24): "حديث الأوعال ليس بصحيح", وقال الشيخ محمد يحيى عزان في كتابه عرض الحديث على القرآن منهج رائد في صيانة السنة النبوية (ج1ص23): دراسة الأسانيد وحدها لا تكفي في نقد الحديث .. , و (قد) توجهت جهود الفقهاء إلى دراسة متون الأحاديث .. , ومن الضوابط .. اعتبار ما يكذبه العقل وينكره الحس والواقع غير مقبول, كحديث: (إن الأرض على صخرة والصخرة على قرن ثور, فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة فتحركت الأرض؛ وهي الزلزلة) , وحديث .. : (ثمانية أوعال) ".
¥