تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقفات تربوية مع لعب عائشة -رضي الله عنها- بالدُّمى

ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[07 - 10 - 08, 10:07 م]ـ

د. منى بنت أحمد القاسم (1)

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. (2)

و عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ الرِيحُ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟! ".

قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟! ".

قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ " قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ؟!

قَالَتْ: فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. (3)

غريب الحديث الأول:

يَتَقَمَّعْنَ: أي يتغيَّبن ويدخلن البيت وراء ستر هيبةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم (4). قال القاضي عياض – رحمه الله -: ورواه بعضهم: يتقنّعن بالنون، وهو أشبه بالمعنى والحال.

يُسَرِّبُهُنَّ: أي يبعثهن ويرسلهن، يقال: سَرَّبتُ إليه الشيءَ إذا أرسلتَهُ واحدًا واحدًا (5).

غريب الحديث الثاني:

سَهْوَتِهِا: هي كالصُّفَّة تكون أمام البيت (6).

ويمكن أن تدل التسمية على المكان الخفيّ عادة من البيت، لغفلة الأضياف والغرباء عنه، وقال بعض العلماء: السَّهوة مكانٌ شبيةٌ بالرفِّ، يوضع فيه الشيء.

وقال غير واحد من أهل اليمن: السَّهوةُ عندنا بيتٌ صغير منحدر في الأرض وسُمكُه مرتفعٌ من الأرض، شبيه بالخزانةِ الصغيرةِ يكونُ فيها المتاع، وهو المراد في الحديث. وقيل غير ذلك (7).

لُعَبٍ: جمع لُعْبَة وهي جرم يلعب به.

واللُّعْبَةُ: التمثال، وكلُّ مَلْعُوبٍ به فهو لُعْبةٌ، لأنه اسم (8).

واللَّعِبُ: يراد به كلُ عمل يترتب عليه مصلحة شرعية راجحَة، وإن كان ظاهره في صورة اللهو (9).

رِقَاع: وهي ما يرقَعُ بِها الخروق في الثياب والأديم، والخِرْقَةُ رُقْعَة (10)، وجمعها رُقَعٌ ورِقَاعٌ (11).

نَوَاجِذُه: النّاجِذ، هو السِّنُّ بين النَّاب والأَضْراس، ويقولون: إنَّ الأضْرَاسَ كلُّها نواجِذٌ (12).

و قيل: النَّاجذ آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجِذَ في أقصى الأسنان بعد الرحى، ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد كمال العقل والبلوغ.

"وضحك حتى بدت نواجذه" يراد بها انفتح فوه من شدَّة الضَّحك حتى رَأى مَنْ استقَبَلهُ آخِرَ أَضْراسِه.

والراجح (والله أعلم): أنها الأسنان الضواحك التي في مقدَّم الفم ومنها الأنياب، لأن ظاهر السياق إرادة الزيادة على مجرد التبسم، وهي تصف حدَثًا عارضًا لا أمرًا مستمراً، وإن كان يراد بها آخر الأسنان فإن اللفظ للمبالغة، لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يبلغ به الضحك هذا الحدّ (13).

من الفوائد التربوية التي نستقيها من هذين الحديثين الشريفين:

1 - أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الأمة خُلُقًا، وأبسطهم وجهًا، فكان يلاطف الأهل، ويمازح الصغار ويفاكهم ويسأل عن لُعَبهم؛ مؤانسةً لهم واهتمامًا بشأنهم، وتقديرًا لحاجتهم إلى اللهو.

فينبغي للمؤمنين الاقتداء بمنهجه في التربية، و ذلك بحسن عشرته ولطفه وطلاقته و عنايته بالأطفال و تقدير حاجاتهم المادية و المعنوية (14).

2 - اختلف أهل العلم – رحمهم الله - في حكم اللعب (بالبنات) وهي الدُّمى والتماثيل الصغار التي تلعب بهن الجواري – على قولين -:

الأول: جواز اللعب (بالبنات)، وهي مخصوصة مستثناة من أحاديث النهي عن اتخاذ الصُّور، لهذا الحديث، فقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكرها، وفي اللعب بها نوع امتهان ومصلحة وفائدة؛ هي تدريب الجواري في طفولتهن على تربية الصغار والنَّظر لأنفسهن وإصلاح شأنهنَّ وبيوتهن (15).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير