والمثال الثاني: في صحيفة «الوطن» بتاريخ 26 أغسطس 2008 عاب خليل حيدر متأسيا بـ «البوطي» على أهل السنة والجماعة خصوصا السلفية والوهابية تبديع فرق المسلمين وأنهم جعلوا الناس شطرين: سلفيا وبدعيا، وكأن هذا ليس من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أن أهل السنة يبدعون من ليس بمبتدع.
وهذا طبعا كلام جاهل من خليل حيدر، ومحاولة فاشلة من «البوطي» لإيهام القراء أن أهل السنة والجماعة الذين نعتهم البوطي بالسلفية والوهابية لا يأتمون بالكتاب والسنة وأنهم مقطوعون عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
والبوطي وخليل حيدر لم يحسنا اصطناع الفرية فهذا الأمر الذي رموا به أهل السنة هو من آكد وأصح علاماتهم على الائتمام بالكتاب والسنة، قال تعالى «ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد»، رواه مسلم.
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم»، رواه الدارمي.
وقال حذيفة رضي الله عنه: «استقيموا معشر القراء، فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا»، رواه البخاري.
والعمل على إبراز السنة وصيانتها ورد البدع وتصنيفهم بما ابتدعوه حتى يغتر بهم المسلمون ولا يفسد الشرع ولا يتغير ولا يتبدل هو إجماع الصحابة والتابعين، فقد قام السلف بذلك من حين نجم ناجم البدعة، فقد صاح السلف بالخوارج أول ما ظهروا من حين ما خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصاحوا بالرافضة من حين أظهروا السب للصحابة والطعن فيهم، وصاحوا بالناصبة من حين ما أظهروا سب آل البيت المتقدمين، وصاحوا بالمعتزلة من حين ما كفّروا صاحب الكبيرة لما اعتزل عمرو بن عبيد المبتدع مجلس التابعي الجليل الحسن البصري، وأنكروا على الكلابية والأشاعرة من حين حرفوا صفات الله لما أظهر ذلك ابن فورك وابن كلاب حتى رجع أبو الحسن الأشعري رحمه الله إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
فما يقوم به أهل السنة هو واجب حفظ الدين وصيانته من تحريف الجاهلين وتغيير المبتدعين، وهو واجب النصيحة لعموم المسلمين كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الدين النصيحة، قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وخاصتهم»، رواه مسلم
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «ومن أنواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله وهو ما يختص بالعلماء رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة»، جامع العلوم والحكم ص58.
فالشمس يا «حيدر» لا يحجبها غبار الذين فرقوا الجماعة بمضادة السابقين الأولين كما قال تعالى «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما ونصله جهنم وساءت مصيرا»، وقال تعالى «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا»، «الأنعام:159»، قال البغوي، رحمه الله: «هم أهل البدع والأهواء»، شرح السنة «1/ 210»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «البدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة»، الاستقامة «1/ 42».
الاستدلال بسليمان بن عبدالوهاب
شنع خليل حيدر على دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بما نقله من معارضة أخيه سليمان بن عبدالوهاب، وهذا الجواب عنه من وجوه:
أولاً: لابد لكل إمام عالم من معارض من أهل الباطل وهذا شأن النبيين عليهم السلام جميعا وورثتهم كما قال تعالى «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا»، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ما كان بدعا من الرسل، فسيرة الانبياء عليهم السلام معلومة للجميع فمنهم من عارضه والده ومنهم من عارضه زوجه ومنهم من عارضه قومه، فلا يضر الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله معارضة أخيه سليمان له، لاسيما وقد أقر الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على دعوته علماء المذاهب جميعا كما اشرت ..
ثانياً: أئمة الدعوة وعلماء نجد أعلم بما جرى بينهم من خليل حيدر، فسليمان بن عبدالوهاب نفسه تراجع عن معارضة أخيه شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وأقر على نفسه بالخطأ.
¥