والآية الكريمة تصف خطة إبليس في الغواية، فهو ينزل الناس للكفر من حيث لا يشعرون، يأتيهم من قبل ما يحبون، ويعالجهم على مهل ... بهدوء تام، فعل هذا مع قوم نوح، فقد خطط ونفذ في أجيال وليس في جيل واحد، بدأ العمل في جيل وأثمر عمله بعد هذا الجيل بأجيال كثيرة، وكذا مع العرب، وكذا مع كل من تكلم بالفداء والصلب.
ومَعْلَمٌ آخر واضح في عقلية إبليس اللعين، وهو أنه لا يدعوا الناس للكفر في الغالب، بل للابتداع، فتجد كل جاهلية تدعي الإيمان، تجد كلَّ جاهليةٍ تنتسب لله أو تدعي الصواب، مشركوا العرب حكى القرآن حالهم بقوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:]، والذين كفروا من أهل الكتاب ينتظرون (الملكوت) ثواباً على كفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيما بالزنا (كما يهود) أو بولادة (الإله) منها عليها السلام (كما النصارى)، تعالى الله عن إفكهم علواً كبيراً.
والكل يقيم بعض (الطقوس) الدينية التي يخادع بها الشيطانُ النفسَ، فشيءٌ من الرحيل لهذا الوثن أو ذاك (ما يعرف بالحج، وكلهم يحجون)، وشيء من العكوف في أماكن العبادة (الكنائس) أو (بجوار الأصنام) أو (الأضرحة) أو أمام (بقرة) أو (فأرٍ) أو (فرج امرأة) في حالة من الخشوع الكاذب.وهو الشيطان يخدعهم، يسوقهم للجحيم من حيث لا يشعرون.
لا يهم عند إبليس أن يقول المرء أنني مؤمن بالله، بل تجده يحرص على أن يبقى الجميع منتسبون لله .. عبادٌ لله أو (أبناء) الله أو غير ذلك، فالعصيان بالابتداع أحب إليه من التمرد الصريح.
إن الذي يحرص عليه إبليس .. إن الثابتَ عند هذا اللعين هو أن لا يطاع الله، أن لا يحل ما أحل الله ولا يحرم ما حرم الله، أن تصرف العبادة (الطاعة) لغير الله. كوسيط (يشفع عند الله) أو كفادي (أنزله الله ليفتديهم من الخطايا).
ويمكن سحب هذه المقدمة على الانحرافات الموجود على ظهر المعمورة اليوم، والتي وجدت من قبل، والأمر سهل يسير بحول الله وقوته، ولكن المقام مقال ولذا أكتفي بعرض بعض التطبيقات.
قضية التجسد من أجل الفداء
يرتكز إبليس ـ كما قدمت ـ على إتيان الإنسان من قبل ما يحب .. الخلد .. تعظيم الصالحين .. عرف الآباء .. رؤية الله عز وجل .. السلطة .. التعالي بين الناس، ثم هو لا يدعوهم للكفر بل للابتداع.
ومن ذلك موضوع (التجسد) من أجل (الفداء) وهي خطة شيطانية تكررت فيما نعلم سبعة عشر مرة، وكان آخرها لا أولها ما عليه عباد الصليب اليوم.
استغل إبليس شوق الناس إلى لقاء الله عز وجل، استغل ما فطر عليه الإنسان من حب التعرف على الله، وكل الناس يحبون التعرف على الله حتى الأنبياء {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: من الآية143]، أتاهم من هذا الباب، وقال لهم بأن الله تجسد ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ ونزل على الأرض ليعيش بينهم فيتعرفوا عليه أكثر.!!
وكذب، فلو سلمنا جدلاً أن الله يتجسد فقد صار إنساناً يأكل ويشرب، فكيف يتعرفون عليه وقد خرج عن طبيعته؟! هذا لو سلمنا جدلاً أنه تجسد، فالتجسد ليس وسيلة للتعرف على الله، هذا ما يفهمه العقل، ثم كذب عليهم كذبة أخرى، وادعى أن (الله) حين تجسد جاء ليقتل فداءً لهم من خطيئة آدام الموروثة فيهم!!
ولم يقل بهذا إلا إبليس اللعين، فالخطيئة لا تورث {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7] وفي كتابهم "20 اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ." [حزقيال:16:20].وفي العهد الجديد .. في يوحنا [5: 29] 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ."
¥