هو عبد القادر بن بدران الدمشقي من مواليد "دوما" (1280هـ) وعاش في بيئة كانت فيها الصوفية منتشرة، والجهل فيها متفشٍ، وقد قرأ على بعض الشيوخ الذين كان مسلكهم صوفياً، وصرح بفضل الله عليه، وأنه اتبع منهج السلف، الذي هو أحكم والقرون المفضلة، ومنهج الأئمة المصلحين.
يقول في هذا الصدد: ((إنني لما مَنَّ عليَّ بطلب العلم، هجرت له الوطن والوسَن، وكنت أطوف المعاهد لتحصيله وأذهب كل مذهب ... فتارة أطوح بنفسي فيما سلكه ابن سينا ... وتارة أتلقف ما سكبه أبو نصر الفارابي من صناعة المنطق ... ثم أجول في ميادين العلوم مدة – فارتدَّ إليَّ الطرف خاسئاً وهو حسير ... فلما هِمْتُ في تلك البيداء، ناداني منادي الهدي الحقيقي: "هلمّ الشرف والكمال، ودع نجاة ابن سينا الموهمة إلى النجاة الحقيقية، وما ذلك إلا بأن تكون على ما كان عليه السلف الكرام من الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان ... ) فهنالك هَدأَ روعي، وجعلت عقيدتي كتاب الله، أكِلُ علم صفاته إليه بلا تجسيم ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، وانجلى على ما كان على قلبي من رَيْن أورثَته قواعدُ أرسطوطاليس، وقلت ما كان إلا من النظر في تلك الوساوس والبدع والدسائس ... إن مَن اتبع هواه هام في كل وادٍ، ولم يبالِ بأي شِعب سلك ولا بأي طريق هلك ... )) (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ص42 - 43).
هذا جانب من عقيدته، وهناك جانب آخر لا يقلّ عنه أهمية، ألا وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية، التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.
ومن ذلك قوله ـ رحمه الله ـ: ((أقول إن نقل الكرامات أصبح أمراً عسيراً، لأن أصحاب الرجل (الولي والشيخ) يستعملون الغلو دائماً، والأخبار تحتمل الصدق والكذب ... )) ثم ينقل عن المتصوفة قصصاً وأخباراً عجيبة في هذا المجال (منادمة الأطلال ومسامرة الخيال)
يقول الشيخ محمد بن ناصر العجمي متحدثاً عن عقيدة ابن بدران:
وحدثني الأديب الكبير علي الطنطاوي، حينما سألته عن العلامة ابن بدران فقال: ((كانت الوهابية تُعَدُّ تهمة خطيرة مخيفة، وكانوا يحذروننا من الاجتماع بهم، فوقفت مرة في حلقة ابن بدران، العالم الحنبلي المعروف، وكان هناك طلاب يمرّون في الأسواق، فرأوني في حلقة ابن بدران وقدّموا فيّ تقريراً إلى المشايخ، فضُربت (فلقة) في رجلي)) (علامة الشام: عبد القادر بن بدران ص22)
وسبب ذلك أن ابن بدران كان على منهج السلف، ودمشق آنذاك، وكذلك أكثر المدن السورية، كانت على جمود المتصوفة، والبعد عن مرونة العلماء المجتهدين في أيام الدولة العثمانية.
فقد كان ابن بدران يظهر تعلقه بأئمة السلف: ابن تيمية وابن القيم الجوزية، فيقول: ((كان ابن تيمية على منهاج ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان، ويناهض حصون العادات السيئة والبدع، فيدُكّها ولا يخشى في الله لومة لائم .. فهبّ قوم قصروا عن مداه، فعاندوه حسداً وبغياً .. ولاشك أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق، فعليه رحمة الله)) (الفتاوى القازانية ص207)
أما مذهبه فقال محمد بن سعيد الحنبلي: (( ... وكان شافعياً ثم تحنبل))، وسبب ذلك – كما قاله بعض المقربين عنه:
((كنت في أول عمري ملازماً لمذهب الإمام الشافعي –رحمه الله- سالكاً فيه سبيل التقليد، ثم منَّ الله عليّ فحبب إليّ الاطلاع على كتب التفسير والحديث وشروحها، وأمهات كتب المذاهب الأربعة، وعلى مصنفات شيخ الإسلام وتلميذه الحافظ ابن القيم، وعلى كتب الحنابلة، فما هو إلا أن فتح الله بصيرتي وهداني من غير تحزب لمذهب دون مذهب، فرأيت أنَّ مذهب الحنابلة، أشد تمسكاً بمنطوق الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة ومفهومها، فكنت حنبلياً من ذلك الوقت)) (نبذة من ترجمة ابن بدران في آخر كتاب المدخل)
وقد عُينَّ مُفتياً للحنابلة، ومُدرساً بالجامع الأموي .. وغير ذلك ..
وقد ابتلي كثيراً، من الحكام ومشايخ الدولة، والصوفية، والجهلة الأغمار، وكان يشتكي من التعدي والحسد، وتألبهم عليه، يقول البارودي: " الشيخ ابن بدران أحد فقهاء قصبة دوماء، وهو من العلماء المجددين. كان جريئاً لا يهاب أحداً ... " ثم ذكر أن من جرأته اعترض على بعض مخالفات رئيس بلدية دوما صالح طه، فأصدر صالح طه أمراً من الوالي بإبعاد الشيخ ابن بدران عن دوما، فانتقل إلى دمشق مدة سنتين حتى انتهت مدة نفيه، وقد أفاد أهل دمشق وانتشرت دعوته الإصلاحية السلفية، وخدم تاريخ دمشق بتهذيب تاريخ دمشق، وألف (الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام).
توفي رحمه الله في ربيع الثاني 1346. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.
ـ[ام صفاء]ــــــــ[22 - 04 - 10, 09:46 م]ـ
وحي القلم للرافعي رحمه الله تعالى
ـ[صالح الديحاني]ــــــــ[23 - 04 - 10, 10:29 م]ـ
إعجابك بالكتاب هو حسب اهتمامك وميولك الحالي .. وتجد بعد فترة أن الكتاب قد تخبو شعلته في نفسك إذا قرأت أمتع منه وأفضل ...
والكتب التي أعجبتني:
رسالة رائعة للأستاذ الفاضل: إبراهيم السكران بعنوان:
(مآلات الخطاب المدني)
وهي رسالة نقدية للفكر العصراني ..
وكتاب مهم وقيم:
(تعطير الأنفاس في الإخلاص)
للشيخ الفاضل: سيد العفاني
¥