وهذا القول الأخير هو الأظهر في هذه المسألة والله أعلم، وهو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، بل يمكن أن تزول النجاسة بأي مزيل كان، وذلك لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وقد طرأت هذه النجاسة الخبيثة، فمتى ما زالت هذه النجاسة الطارئة بأي مزيل كان، عاد الشيء إلى طهارته، ثم إن إزالة النجاسة من باب اجتناب المحظور، لا من باب فعل المأمور، واجتناب المحظور إذا حصل بأي سبب ثبت به الحكم، ولهذا فإنه لا يشترط لإزالة النجاسة النية، فلو نزل المطر من السماء على نجاسة فإنها تزول.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من عمومات النصوص التي تدل على أن الماء مطهر وتزول به النجاسة، فغاية ما تدل له تلك الأدلة أن الماء مطهر، لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرا، هي صحيح تدل على أن الماء مطهرٌ لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرا، ولو تأملنا في العمومات التي استدلوا بها: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا وما استدلوا به من عمومات الأدلة فهي تدل على أن الماء مطهر، لكن أين الدلالة منها على أن غير الماء ليس بمطهر، ولهذا نقول: إن الصواب في هذه المسألة هو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، وأنها يمكن أن تزول بأي مزيل كان بالشمس بالريح وبغيرها.
وعلى ذلك ننزل هذه النازلة على هذه المسألة، فنقول ما دمنا قد رجحنا أن النجاسة تزول بأي مزيل كان فيمكن أن تزول النجاسة بمعالجتها بالطرق الكيميائية، وحينئذ نقول: إن مياه المجاري بعد معالجتها تصبح من المياه الطاهرة، مياه المجاري بعد معالجتها تصبح من المياه الطاهرة، وذلك لأنها في الأصل مياه طاهرة طرأت عليها نجاسة، ثم زالت هذه النجاسة بهذه الطرق الكيميائية بحيث لم يصبح لهذه النجاسة أثر من لون أو طعم أو رائحة، فتكون هذه المياه مياه المجاري طاهرة، وهذا الحكم الذي ذكرته بحث في مجلس هيئة كبار العلماء قديما، وكذلك أيضا بحث في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وكلا المجلسين مجلس هيئة كبار العلماء، ومجلس مجمع الفقه الإسلامي قرر أن مياه المجاري إذا عولجت فإنها تكون طاهرة.
وبين يدي الآن قرار الهيئة وقرار المجمع الفقهي، وهو القرار الخامس في الدورة الحادية عشر المنعقدة في الثالث عشر من رجب 1409 جاء في القرار، وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيمياوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة، وهي الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، فلا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول موثوق بصدقهم وأمانتهم، قرر المجمع ما يأتي:
أن مياه المجاري إذا نقيت بالطرق المذكورة، أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه، صار طهورا يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه إذا لم يبق لها فيه أثر والله تعالى أعلم.
وأيضا قرار هيئة كبار العلماء كان سابقا لقرار المجمع الفقهي، وقرار لهيئة كبار العلماء ذكروا التفريع على مسألة إذا تغيرت النجاسة، إذا تغيرت النجاسة بغير الماء، فجاء فيه بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال التغير بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث، وتأثير الشمس، ومرور الرياح عليه، أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته، حيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص منها بعدة وسائل إلى آخره، لذا فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة من طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها.
إذا هي مياه طاهرة يجوز استعمالها في الطهارة، يجوز التوضؤ بها، لكن هل يجوز استعمالها في الأكل والشرب؟ هنا في قرار الهيئة جاءت الإشارة لهذه المسألة، كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس، وتفاديا للضرر لا لنجاستها، والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها باستعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطا للصحة واتقاء للضرر وتنزها عما تستقذره النفوس وتنفر منه الطباع.
إذا هذه المسألة كما ذكرنا هي الحكم في هذه المياه أنها تصبح مياه طاهرة يجوز التوضؤ بها واستخدامها في الطهارة، ولكن الأولى على سبيل الأولوية فقط عدم استخدامها في الأكل والشرب احتياطا، وأيضا لأنها ربما تكون مما تتقذر منه بعض النفوس، هذا هو حاصل الكلام في هذه النازلة.
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[20 - 10 - 08, 11:06 م]ـ
هنا بحث لهيئة كبار العلماء في المسألة وهو في المجلد السادس منها
http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaDetails.aspx?IndexItemID=6854&SecItemHitID=7711&ind=5&Type=Index&View=Page&PageID=636&PageNo=1&BookID=1
¥