تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[24 - 10 - 08, 05:39 م]ـ

سقوط قارون العصر ........ الشيخ حامد العلي

سقوط قارون العصر

حامد بن عبدالله العلي

يَعْلَمُ الخبراء الأمريكيون وغيرهم، أنَّ الأزمة الحقيقية، والكارثة العظمى، ليست هي هذا التدهور المريع في الاقتصاد الأمريكي، الذي أعلن نهاية حلم القرن الأمريكي الذي جاء به المحافظون الجدد المتصهينون، ثم مازالوا في سقوط واحداً تلو الأخر حتى سقطت خزينتهم أخيراً، تلك التي أنفقوا منها على مشروعهم ثمَّ كانت عليهم حسرة.

بل في سقوط وهم الإله الذي سبَّحت بحمده أمريكا، وطافت حول عرشه، وسارت كهنتُه في العالم، تبشِّر البشرية بأنَّه المنقذ الأوحد، الذي زعموا أنه إليه إنتهى التاريخ، وعلى الخلق جميعا أن يعبدوه، طوعا بقيود العار، أو كرها بالحديد والنار!

ونعني به هنا ما وصفه الكاتب أنتوني فاجولا، في واشنطن بوست: (سلب واشنطن أكثر فأكثر السلطة الأخلاقية على نشر إنجيل الرأسمالية غير المقيدة)، الذي كما وصف أيضا: (في العقود الثلاثة الماضية ظلت الولايات المتحدة تقود "حملة صليبية" لإقناع غالبية دول العالم به)؟

وقد صدق الصحفي هوارد لا فرانتشي في مقولته التي نشرتها صحيفة ذي كريستيان ساينس مونيتور الخميس الماضي، إذ قال: (إن التصريحات التي انطلقت من أماكن عديدة من العالم، سواء تلك التي صدرت من إيران، وفنزويلا، معتبرة الأزمة نهاية للولايات المتحدة كقوة عظمى , أو البيانات المتحفظة من القادة الأوروبيين بانبلاج عهد جديد متعدّد الأقطاب, كلُّها توصلت إلى نتيجة مفادها أنَّ بنية القوة العالمية المستندة إلى الهيمنة، والزعامة الأميركية، تعيش حالة من الفوضى، ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى).

وذكر في المقال أنَّ هذه النتيجة تتفق مع التكهنات بتضاؤل القوة الأميركية عالميا, وهي تكهنات نبعت من احتلال الولايات المتحدة للعراق.

إنَّ الكارثة العظمى التي حلَّت على أمريكا، هي هويُّ صنمها، وسقوط الثقة به، وبأنَّ لديها ما تقود به العالم، إنَّه بإختصار: بداية أفول حضارتها الزائفة.

والأدهى والأمر أنَّ هذا حدث، وشهود الأرض كلهم يشيرون بإتجاه واحد إلى أن سبب هذا الدمار العالمي، هو أمريكا، شهادة واحدة متَّحدة: أنتم سبب هذا الفساد العظيم الذي حصل في الأرض.

ولسان حالهم يقول: لقد قدتم العالم زاعمين أنّكم ستعجلونه أكثر أمناً، فغدا أشدّ خوفاً ورعباً، وأنَّكم ستصيرونه أكثر استقراراً، فأصبح أعظم اضطراباً، وأنَّكم ستصنعون عصر الرفاه تحت ظلال العولمة، فأدخلتم العالم بالداهية الدهياء، والمصيبة العمياء، فدمَّرتم ما بناه الإقتصاد العالمي في عقود، بجشعكم، وعبادتكم للمادة، وإنعدام الشعور بالمسؤولية.

ولقد غدا كلُّ شيء واضحا لذوي البصيرة، فقد تحطمت غطرسة القوة الأمريكية بيد من احتقرتهم في أفغانستان، وسخرت منهم في العراق، ولازالت عاجزة أن تعلن النصر، ولازالت خائفة مما ستلقاه لو بقيت، أوتراه إذا هربت.

ثم ظهر جميع نفاقها على العالم، وعرفها الناس كلُّهم على حقيقتها، وسقطت سمعتها في دعواها أنها تحمل شعلة الحرية، وحقوق الإنسان.

ثم أخيراً تهاوى إلهُها الرأسمالي القائم على الربا والجشع، الذي كانت تحمل عرشه على أكتافها، وتطوف به العالم، وتُسخِّر الناس له.

لقد هُزمت القوة، وسقطت الأخلاق، وتهاوت القيم، فأيُّ شيء بقي في الحضارة؟!

لقد تبخَّر كلُّ شيء في لمح البصر كما وصف الله تعالى: (أمليت لها وهي ظالمة، ثم أخذتها وإلي المصير)

ولم يكن بين انطلاق إعلان الحملة الصليبيَّة، لإستهداف الإسلام، وبين هذه النتيجة سوى سبع سنين!

لقد سقط قارون العصر، الرأسمالية الأمريكية، كنز كنوز الأرض: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ).

وخسف الله به، من حيث لم يحتسب، وكان يُعرض مستكبرا عن نصيحة الناصحين: أنْ لاتبطر في الأرض، وأحسن إلى الناس، ولا تفسد.

(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير