تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَتَذَكرُ كيف كانت دولة الاتحاد السوفيتي ونحن صغار أكبرَ دولة في العالم مساحة، وكانت إحدى القوتين العظميين -كما كانوا يسمونهما- في ذلك الوقت، والمعتاد في انهيار الأمم والدول أن يأخذ ذلك عقودا طويلة، وربما قرونا من الزمان؛ فالفراعنة أبقاهم الله -عز وجل- رغم كفرهم وعنادهم مئات السنين ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

والإمبراطورية البريطانية التي كانوا يقولون عنها: "لا تغرب عنها الشمس"، يعنون لاتساع رقعتها ومستعمراتها في المشارق والمغارب، ويشيرون إلى أن قوتها لا تهزم وأن شمسها لن تغيب، ثم أذِنَ الله بزوالها وغروب شمسها، ولكن في عقود من الزمن، ولم نر دولة تنهار بسرعة انهيار الاتحاد السوفيتي، من قمة العالم إلى دويلات صغيرة متحاربة لا تجد أكبرها وهي "روسيا" ما تسد به مرتبات موظفيها إلا "بورق التواليت" و"زجاجات الفودكا"، وهي بعد لا زالت تملك الأسلحة النووية والصواريخ الفضائية والأقمار الصناعية، فيا عجبا لتقلب الدول ومداولة الأيام.

وما كان يخطر ببالنا في الصغر أن نرى هذه الدولة البوليسية الرهيبة التي قامت على جماجم ملايين البشر أكثرهم من المسلمين في الجمهوريات الإسلامية التي ضمتها بقوة البطش والجبروت، وسفك دماء الملايين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم حتى مجرد التسمي بأسماء المسلمين، وحتى من وجود المصاحف في البيوت، فضلا عن الصلاة أو حتى الصيام أو حتى وجود المساجد، بل قد حُرِم ذلك كله؛ لأن الدين- زعموا- أفيون الشعوب ثم آل الحال أن يوجد من يجاهد في سبيل الله داخل أرض روسيا ذاتها، يقض مضاجعها ويسعى لتحرير المسلمين من نير استعبادها، وكل ذلك خلال أقل من عشرين سنة من عنفوان القمة إلى حضيض المهانة، وإن كان باستمرار الظلم والعدوان على المسلمين المستضعفين.

وتنظر في أسباب ذلك ومقدماته فلا تجد أكثر من احتلال الروس لأفغانستان فأيقظوا أسدا كان نائما، وأحيوا قضية كانت في نفوس الكثير من المسلمين ميتة، فقام المسلمون في أفغانستان وعاونهم إخوانهم في كل مكان يدافعون عن دينهم وبلادهم وعرضهم، وانطلقت أسهم الدعاء في كل مكان من بلاد المسلمين، على الروس بالتدمير والإهلاك والزلزلة.

واستجاب الله لدعوات المستضعفين العاجزين عن تقديم يد العون لإخوانهم إلا بالدعاء، واستجاب لدعوات الأسرى والأرامل واليتامى والثكالى، الذين أضرهم الاحتلال الكافر الغاشم، وتزلزلت أركان هذه الإمبراطورية وآلت إلى ما آلت إليه.

وفي الطريق المزيد كلما استمر ظلمهم وعدوانهم على المسلمين، مع ما يستخفون من العقوبة على الكفر والشرك بالله -سبحانه وتعالى-.

ثم كانت الدولة لغيرهم، وتجبرت أمريكا وحلفاؤها وكان المسلمون كالعادة أصحاب النصيب الأوفر من الظلم والعدوان وانتهاك الحرمات، فعاونت اليهود في فلسطين على مذابحهم ضد المسلمين، ثم خاضت أمريكا -بنفسها دون إنابة- حربا ظالمة جائرة في أفغانستان، ثم في العراق، قتلت فيها الملايين من المسلمين، وارتفعت دعوات المسلمين المستضعفين الذين نالهم في أرجاء العالم كله من ظلم الاضطهاد والمطاردة والحبس والسجن والتعذيب، إرضاءً وتنفيذا لخطط حرب الإرهاب التي هي الإرهاب الظالم بعينه.

ارتفعت دعوات المسلمين إلى الحكمِ العدلِ العزيزِ المقتدرِ، أن ينزل بأسه بالكافرين الظالمين المعتدين وحلفائهم، وأعوانهم من سائر الكفار والمنافقين الذين تحزبوا على الإسلام وأهله حتى هموا بأهل الإسلام في كل مكان ليأخذوهم.

واستفتح أهل الإسلام ربهم وعند الاستفتاح يخيب كل جبار عنيد، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ. وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم:13 - 15)، وقال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (غافر:5)، ولا يزال هؤلاء الكفار يحاولون أخذ دعوة الرسل جميعا، ولا يزالون يجادلون بالباطل من التكذيب،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير