تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمدُ لله: بعد بحثٍ دامَ ست سنواتٍ , عثرتُ على شيخي (المفقود).!!!

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[30 - 10 - 08, 03:58 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وآله وصحبه ومن والاه واتبع هداه.

سأعود بالإخوة إلى الفترة الزمنية التي كانت قبل ثمان سنواتٍ تقريباً , والتي خرجَ فيها (أبو زيد الشنقيطي) من عند أمَّه باتجاه أحد مساجد المدينة المنورة , صلى الفرضَ ونظر بعد الصلاة إلى آخر المسجد , فإذا به يرى حلقةً للأطفال يتعلمون فيها القرآن , وقد التفُّوا حول شيخ تجاوز الثمانينَ عاماً بلا شك, اقترب (أبو زيد الشنقيطي) من الحلقة واسترق السمع إلى تصحيح الشيخ للفتية وتلقينه إياهم فرأى وسمع العجب العُجاب.!!

رأى:

الشيخَ ابن الثمانين عاماً والذي سقطت أسنانه كلها , لا يَفْسُدُ عليه نطقُ حرفٍ من حروف الهجاء (وساعذرُ هنا من لايصدقُ لأني لو لم أقف على ذلك ما صدقتُه).!!

وسمع:

صوتاً أندى من مئات الأصوات التي بلغَ المعجبون بها عنانَ السماء بأصحابها.

ظلَّ (أبو زيد الشنقيطي) بجانب الحلقة وتقدمَ إلى الشيخ , وسلم عليه وقبل رأسه , وطلب منه إقرائه , سأل الشيخ:

على من قرأت.؟

قال أبو زيد: على فلان وتخرجت من الجمعية الخيرية بتقدير كذا وكذا.

قال الشيخُ: حسناً.

مرت شهورٌ وأعوامٌ تردد فيها (أبو زيد الشنقيطي) على هذا القارئ المحدث بين الحرم النبوي ومسجده الذي كان يقرئ فيه طلابه , واكتشف الأعاجيب عنه.!!

كان (أبو زيد الشنقيطي) يظن شيخه ذلك , معلمَ صبيانٍ لا يحسن في الحياة غير تلقين قصار السور للأطفال.

وصارحه الشيخُ بعد أن توطدت صلته به , بأنه يحفظ القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة , وأخذها عن شيخ قراء الباكستان (فتح محمد إسماعيل) رحمه الله سماعاً وتلقيناً , وإفراداً.!!

سأله (أبو زيد الشنقيطي) عن أحد المقرئين في الحرم النبوي , هل كان قرينا له في الأخذ عن الشيخ (فتح محمد إسماعيل) رحمه الله .. ؟

ضحك الشيخُ وقال: لقد استجزت الشيخ وأجازني قبل ميلاد هذا الرجل (وفقه الله)

جاء (أبو زيد الشنقيطي) إلى شيخه يوما فلقيه وقد ركبَ الشيخَ من الغمّ والهمّ ما يعجز عنه جسمه الضعف , وكاهله المنحني, فأخبره الشيخ (وكان ممن لا ينمو شعر لحيته ولا يطول فهي على حالتها منذ نبتت وجهه) بقوله:

جاءني أحد (المطاوعة) وهجم عليَّ وقال: اتق الله لا تحلق لحيتك هذا حرام , .................... الخ من سلسلة الفظاظة والجهالة التي تعلو محيا بعض الجهلة ممن يعتقد أنّ الدينَ كل الذين ليس إلا إطالة اللحية وتقصير الثوب.!!

قال الشيخ: سألته أتحفظ القرآن.؟

قال: لا

قلتُ: أتحفظُ الأربعين النووية.؟

قال: لا

قال إني بحمد الله أحفظ القرآن بقراءاته , والكتب التسعة كاملةً , ولم أجد في كل ذلك أنّ النصح يكون بهذا الأسلوب الفظ الغليظ.

قال (أبو زيد الشنقيطي) مستغرباً: الكتب التسعة.!!!

قال الشيخُ: نعم , لقد درستُها ودرَّستُها من (الجلدة إلى الجلدة) وأجزتُ بها.!!

شاء الله أن ينقطع الشيخ عن التدريس , ويصاب بمرضٍ في قلبه , دخل المستشفى , فجئتُ أزروه , فما وجدت عنه غير الطبيب المعالج ,فتألمتُ لذلك أشد الألم ,ولكنّ الشيخ يؤثر الخمول والعيش في أوساط المساكين المجاهيل.

ختمت على الشيخ القرآن مرةً , وشرعت في الأخرى حتى بلغتُ سورة (الجاثية) , سافر الشيخ لبلده , وانقطعت أخباره بعد أن ترك التعليم , أو تركه القائمون على الحلقات نظراً لسنه , وقد أمضى قرابة الأربعين عاماً يعلم القرآن في الحرم النبوي ومساجد المدينة المنورة.!!

بحث (أبو زيد الشنقيطي) عن شيخه الخامل المختفي المؤثر للمسكنة وجهل الناس بقدره , فلم يجد له أثراً.!!

كرر البحث لأشهر وسنوات , ولكن دون جدوى , حتى وجد أحد أبناء تلك الحلقة التي زارها في أول مجلس له مع الشيخ , فابتدره سائلاً: ألا تعلم عن شيخنا خبراً أيَّ خبر.؟؟

قال:بلى , هذا رقم جوال طالبٍ يقرأ عليه الآن في بيته.!!

أخذ الفرحُ من (أبي زيد الشنقيطي) كل مأخذ , واتصل بالهاتف ظهر الأربعاء يوم أمس , فرد عليه التلميذُ ثمّ مد الجوال إلى شيخي الحبيب , فاطمأنَّ قلبي وهدأ روعي وأنا أسمع سلامه وترحيبه بي , ثمَّ أعطاني جواله الخاص , ووعدته باللقاء به أقرب وقت , فقبل ذلك.!!

الشيخ حفظه الله له أبناء وبنات في بلاد الهند , أغناهم الله وفتح عليهم , ويتمنون أن لو سكن معهم فخدموه بما يملكون وما لا يملكون , ولكن هوى الشيخ وهدفه أن يتخذ مرقداً بجوار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وخلفائه وصحابته وآله وتابعيه في بقيع الغرقد ليكون له النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شاهداً وشفيعاً.!!

وكأني لسان حاله يقول لهم:

هواك نجد وهواي الشام ... وذا وذا يا ميُّ لا يلتام

وأقول:

لا عدمنا في الأمة أخفياء كهذا الرجل وغيرهه ممن لم تظهر للناس حقيقته , فبهم وبطاعتهم واستغفارهم يُستدفع البلاء بمشيئة الله.

للشيخ في رمضان برنامجٌ للقراءات , يختم فيه بكل رواية ختمة , ويعني ذلك أن يختم على الأقل 20 مرةً في رمضان .. !!

فإلى كل مدلَّسٍ على الأمة بأنه حضر دروس فلان وقرأ على فلان ولازم فلانا وأخذ عن فلان أهدي هذا النموذج.

وإلى كل من يتطلع لأن يذيع صيته ويشتهر (لا ليخدمَ الدين) ولكن ليزدحم الناس من أجل السلام عليه وتقبيل رأسه والعناية بمماشاته ومجالسته أهدي هذا النموذج.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير