تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد روي عن محمد بن سيرين -رحمه الله- قال: خرجت في اليوم الذي شك فيه فلم أدخل على أحد يؤخذ عنه العلم إلا وجدته يأكل إلا رجلا كان يحسب ويأخذ بالحساب ولو لم يعلمه كان خيرا له. وقد قيل: إن الرجل مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو رجل جليل القدر إلا أن هذا إن صح عنه فهي من زلات العلماء. وقد حكي هذا القول عن أبي العباس بن سريج أيضا.

وحكاه بعض المالكية عن الشافعي أن من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ولم يتبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصيام ويبيته ويجزئه. وهذا باطل عن الشافعي لا أصل له عنه، بل المحفوظ عنه خلاف ذلك كمذهب الجماعة، وإنما كان قد حكى ابن سريج وهو كان من أكابر أصحاب الشافعي نسبة ذلك إليه إذ كان هو القائم بنصر مذهبه.

واحتجاج هؤلاء بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في غاية الفساد، مع أن ابن عمر هو الراوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب (فكيف يكون موجب حديثه العمل بالحساب؟ وهؤلاء يحسبون مسيره في ذلك الشهر ولياليه. وليس لأحد منهم طريقة منضبطة أصلا، بل أية طريقة سلكوها فإن الخطأ واقع فيها أيضا، فإن الله -سبحانه- لم يجعل لمطلع الهلال حسابا مستقيما، بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية، وقد سلكوا طرقا كما سلك الأولون منهم من لم يضبطوا سيره إلا بالتعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد.

وإنما هو تقريب مثل أن يقال: إن رئي صبيحة ثمان وعشرين فهو تام وإن لم ير صبيحة ثمان فهو ناقص. وهذا بناء على أن الاستسرار لليلتين وليس بصحيح، بل قد يستسر ليلة تارة وثلاث ليال أخرى. وهذا الذي قالوه إنما هو بناء على أنه كل ليلة لا يمكث في المنزلة إلا ستة أسباع ساعة لا أقل ولا أكثر، فيغيب ليلة السابع نصف الليل ويطلع ليلة أربعة عشر من أول الليل إلى طلوع الشمس، وليلة الحادي والعشرين يطلع من نصف الليل، وليلة الثامن والعشرين إن استسر فيها نقص وإلا كمل وهذا غالب سيره وإلا فقد يسرع ويبطئ.

وأما العقل: فاعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يُرى لا محالة، أو لا يُرى البتة على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات، ولهذا كان المعتنون بهذا الفن من الأمم: الروم والهند والفرس والعرب وغيرهم مثل: بطليموس الذي هو مقدم هؤلاء، ومن بعدهم قبل الإسلام وبعده لم ينسبوا إليه في الرؤية حرفا واحدا، ولا حدوه كما حدوا اجتماع القرصين، وإنما تكلم به قوم منهم في أبناء الإسلام: مثل كوشيار الديلمي، وعليه وعلى مثله يعتمد من تكلم في الرؤية منهم.

وقد أنكر ذلك عليه حذاقهم مثل: أبي علي المروذي القطان وغيره، وقالوا: إنه تشوق بذلك عند المسلمين؛ وإلا فهذا لا يمكن ضبطه".

الحال الثاني: أن يكون الحساب قطعيا أو قريبا من القطعي مثل: لحظة ميلاد الهلال، وهي حالة ينكرها الكثيرون ممن لا يعلمون إمكانية ذلك، مع كونهم يشاهدون عيانا ما يخبر به الحساب من توقيت الشروق والغروب للشمس والقمر، وباقي أوقات الصلوات، وكذا الكسوف والخسوف بالدقيقة والثانية، مما أصبح مشاهدا متكررا لا ينكره إلا مكابر.

ويظن البعض أن الشرع حرم الحساب مع أن الحديث لا يدل على ذلك بوجه من الوجوه، بل تعلم الحساب والنظر فيه جائز، وقد سماه الله في كتابه علما، وامتن به على عباده، فقال: (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) (الإسراء:112)، فمنه ما يكون علما ومنه ما يكون ظنا، وكما لم يدل الحديث على تحريم الكتابة والانتفاع بها فلا يدل على تحريم الحساب والانتفاع به، ولكن يدل على عدم حاجة الأمة في عبادتها له، بل يمكن لأي أحد من الأمة في أي مكان أن يؤدي عبادته كاملة دون حاجة إلى الحساب، وبعض الناس يظن من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إنكار هذا النوع القطعي من الحساب مع أن كلامه يدل على إثباته حيث يقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير