تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج هذا الحديث مطولاً، وأخرجه ابن عبد البر في ((الاستيعاب)) من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم (2) أنه سمع طاوساً يقول: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤتى بالمجانين فيضرب صدر أحدهم فيبرأ، فأتي بمجنونة يقال لها: أم زفر، فضرب صدرها فلم تبرأ (3)، قال ابن جريج: وأخبرني عطاء فذكر كالذي هنا.

وأخرجه ابن منده في ((المعرفة)) من طريق حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس فزاد: ((وكان يثني عليها خيراً)) وزاد في آخره: ((فقال: إن يتبعها في الدنيا فلها في الآخرة خير)) وعُرِفَ مما أوردته أن اسمها سُعَيرة وهي بمهملتين مصغر، ووقع في رواية ابن منده بقاف بدل العين، وفي أخرى للمستغفري بالكاف، وذكر ابن سعد وعبد الغني في ((المبهمات)) من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالزيارة. . . وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط.

وقد أخرج البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة شبيهاً بقصتها ولفظه ((جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: ادع الله.

فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولا حساب عليك.

قالت: بل أصبر ولا حساب عليَّ)) (4).انتهى كلام الحافظ

فانظر قول الحافظ ابن حجر رحمه الله: ( ... وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط)، تعلم يقيناً بطلان قول من قال بالمخالفة لما في الصحيح، فإذا كان الحافظ قد استدل بمجموع طرق الحديث على أن الذي بأم زفر مس جن ومن بين طرق الحديث حديث طاوس كما عند ابن منده، وأبي نعيم الأصفهاني، وابن عبد البر، والذي فيه أنه ضرب صدرها، ولم يعدَّ أي من هؤلاء الأئمة الرواية مخالفة لما في الصحيح، فاعتبروها، واستدلوا بها، فهل يؤخذ بعدُ بقول هذا الغَمْر الذي يخالف العلماء، أم هل يرقى هذا الفَدْمُ إلى منازل من أفق السماكين منزله، أو يبلغ شأوهم (؟!).

وهذا الأثر إسناده حسن فرجاله ثقات رجال الشيخين، وقد تابع ابنَ جريج، حنظلةُ بن أبي سفيان متابعة قاصرة فروى الحديث عن شيخ شيخه كما عند ابن منده في ((المعرفة))، وعند أبي نعيم في ((معرفة الصحابة)) عن ابن وهب عن حنظلة أنه سمع طاوساً يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصك صدر أحد به مس إلا ذهب عنه، فأتي بأم زفر، وكان يثني عليها خيراً، فصك صدرها فلم يذهب، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن شقها في الدنيا فلها في الآخرة خير)).

فهذه طريق أخرى عن طاووس ليس فيها عنعنة ابن جريج، فماذا بعدُ (؟!)

وللأثر شاهد بسند حسن من حديث عثمان بن أبي العاص يتقوى به ويرتقى إلى درجة الصحيح لغيره، وقد أوردته في مقالة: (من ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صدره أثناء العلاج)، ولا بأس من ذكر، وإيراد موضع الشاهد منه، قال عثمان رضي الله عنه: قال ـ أي رسول الله ـ: ذاك شيطان، ادنه، فدنوت منه فجلست على صدور قدمي، فضرب صدري بيده، ... ).اهـ

قلت: فقوله رضي الله عنه: (فضرب صدري بيده (5) يشهد لقول طاوس: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤتى بالمجانين (6) فيضرب صدر أحدهم ... )، فدل هذا أيضاً على أنها عادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك، وقد وافق طاوس اثنين من الصحابة في أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضرب الممسوسين ممن تسلط عليهم الشيطان، وافق عثمان بن العاص حيث قال عثمان رضي الله عنه: (فضرب صدري بيده)، ووافق الزارع في رواية أم أبان بنت الوازع في قصة الممسوس المجنون ابن أخي الزارع حيث قال: (فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: اخرج عدو الله، اخرج عدو الله). لكن إن كان الضرب على الصدر فليس هو الضرب الْمُبَرِّح الذي يمرض ويسقم، بل هي ضربة واحدة على الصدر نعم قوية ولكنه تكفي وتشفي من به جنة إذا شاء الله، وإذا كان على الظهر فقد قال الوازع: (حتى رأيت بياض إبطيه)، وهو كناية عن شدة الضرب فرفع اليد حتى يُرى بياض الإبطين فيه شدة وقوة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير