القول بعموم الآية الكريمة أفضل من القول بأنه يُسعى في الدور الثاني والثالث أو الرابع لأنّ الأخذ بدلالة النص أقوى من الأخذ بالسعي في الدور الثاني لأنّ الخلاف فيه معروف ومشهور , والاحتمال فيه ليس كدلالة العام التي هي من منطوق النص ودلالة النص ,فهي أولى وأحرى فيما ظهر لي.
ومسألة الزائد (هذا القدر الذي هو من آخر المسعى) قد أتوصَّل إلى أنه من المسعى , وقد أتوصل إلى أنه ليس من المسعى , ولكن أكثر الزيادة , والمبدأ في الزيادة مبدأ صحيح.
وفي الحقيقة:
الذي رأيته من بعض الأشياء الموثقة , جبلُ المروة لا يبعد عن هذا القدر , بمعنى أن التوسعة تقارب حد جبل المروة , بل قال بعضهم أنه باقي من الجبل جزء وأن التوسعة لم تشمل جميع المروة , ونسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأذكر الجميع بالله عز وجل أن من يتكلم في هذه المسألة ويخوض فيها بدون علم.
خاصة فيما يكتب في الانترنت- مما بلغنا من بعض الثقات – من تساهل البعض في الأحكام وتساهل البعض في الحكم على فتاوى العلماء.
أذكر هؤلاء بالله العظيم الذي لا إله غيره ولا رب سواه , أذكرهم بمن خوفهم من اللسان وزلاته , وأذكرهم بالحذر من القول على الله بدون علم وأن يتركوا هذه الأمة لعلمائها وأن يتركوها لمن يحسن النظر في نصوص كتابها وسنة نبيها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأذكرهم بأن يتقوا الله جل جلاله بعدم التشويش على أهل العلم فيما توصلوا إليه من اجتهادات ما داموا أنهم أهل للنظر والاجتهاد , وأنا أقول:
هذا الشيء فيما ظهر – والله أعلم – احتملته نصوص الكتاب العزيز , ويُعد نعمة من الله عز وجل , نسأل الله أن يجزي ولي أمر المسلمين خير الجزاء على هذا الأمر وأن يجعله في ميزان حسناته يوم يلقاه وأن يجعله نافعاً له وشافعاً يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتاه بقلب سليم وأن يجزي كل من وسع على المسلمين بهذه التوسعة ويسر عليهم بهذا التيسير أن يجزيه كل خير.
وتؤخذ المسائل كما كان عهد السلف وحال السلف الصالح رحمهم الله والتابعون لهم بإحسان أن الأمور والمسائل الاجتهادية يعذر فيها المخالف ,وإذا أخذ ولي الأمر بأحد القولين (الذي يحتمله النص) أنه يرتفع الخلاف.
فالذي يظهر لي - والله أعلم - ما ذكرناه , وأسأل بعزته وجلاله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ,وأن لا يجعل الحق علينا ملتبساً فنضل.
هناك شبهة نحب أن ننبه عليها:
أن البعض يقول: (إن الزيادة في المسعى مثل الزيادة في عرفة ومنى)
هذا فيه إشكال:
لأنّ عرفة ومنى عُرفَ حدهما , فإذا زيد عليهما مُنع , لكن نحن ف مسألة , لم يُحدَّد موضع السعي , فلا تقاس هذه المسألة على هذه المسألة. يعني البعض يقول: إذا زدت في المسعى كأنك زدت في عرفة وكأنك زدت في منى.
نقول:
إن الزيادة في عرفة ومنى امتنعت بعد تحديد الحد , ونحن هنا لم نتفق على الحد حتى نقول (إنما زاد) هذه دعوى الشخص نفسه , ولذلك لا يصح إلزام الآخر , هذا يسمونه الإلتزام الذي لا يصح الإلزام به , هذا شيئ يلتزمه هو في خاصته, أنّ الحد هذا الحد والزيادة عليه مثل الزيادة على المحدود المعروف , ومن هنا لا يصح أن يكون إلزاماً للغير , وإنما هو التزام له فيما يعتقده.
المسعى مثل ما ذكرنا:
حدُّه إذا وُضع لا تجوز الزيادة عليه.
الوجه الثاني أن هذا يُقلب ويجاب عنه من وجه ثانٍ وهو أن يقال:
كما أنه لا تجوز الزيادة في عرفة ولا يجوز الانتقاص منها كذلك في المسعى لا تجوز الزيادة عن الحد الوارد ولا يجوز الانتقاص من نفس الحد الوارد ,لأن الانتقاص من الحد الوارد إلغاء لدلالة النص كما بينا , ومن هنا أحببنا أن نجيب عن هذا لأن البعض كان يناقش المسألة فذكر لي هذا.
وعلى كل حال أياً ما كان:
نلتزم الذي ظهر لنا وهو الالتزام بظاهر الآية الكريمة في الأمر بالسعي بين الصفا والمروة , ولو لقي العبد ربه يوم القيامة وسأله عن سعيه فاستدل بهذه الآية , واحتج بهذا الدليل كان معذرة له بين يدي الله عز وجل , ونسأل الله بعزته وجلاله أن يصلح الحال وأن يحسن العاقبة والمآل إنه ذو الجلال.
انتهى الدرس عند هذا الحد.
وسئل بعده الشيخ عن الطهارة في السعي فذكر أن أصح قولي العلماء عدم اشتراطها في السعي بين الصفا والمروة, وأن الأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها لما حاصت بسرِف قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {ما لكِ, أنفستِ} أي ما شأنك , هل أصابك الحيض لأنّ النفاس يطلق بمعنى الدم ويقال: نفست المرأة وحاضت , وهو أحد أسماء الحيض العشرة , وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {ذاكِ شيئ كتبه الله على بنات آدم ,اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت}
فدل على أن الحدث الأكبر لا يمنع السعي بين الصفا والمروة ,فو طاف بين الصفا والمروة وهو محدث صح سعيه.
¥