تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تأملات في مماثلة المؤمن للنخلة]

ـ[تلميذة الحرمين]ــــــــ[13 - 11 - 08, 06:16 م]ـ

عبدالرزاق عبدالمحسن البدر

روى البخاري ومسلم عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من الشجر شجرةً لا يسقطُ ورقُها، وإنَّها مثلُ المسلم، فحدِّثوني ما هي؟ " فوقع الناس في شجر البوادي []. قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال: "هي النخلة".

قال: فذكرتُ ذلك لعمر. قال: لأَنْ تكون قلتَ: هي النخلة، أحبّ إليّ من كذا وكذا. وهذا لفظ مسلم.

وقد أفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعنى المتقدّم، وهو تشبيه المؤمن بالنخلة في أوجز عبارة، وذلك فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبزار من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: "مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها مِنْ شيء نفعك" [

والنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة بأَنْ جُعلت مثلاً لعبد الله المؤمن؛ لأنَّها أفضلُ الشجر وأحسنُه، وأكثرُه عائدة.

ومن يطالع كلامَ أهل العلم في هذا الباب يقف من ذلك على لطائفَ جمّة وفوائد مهمّة.

ولعَلِّي فيما يلي أستعرض جملةً من أوجه الشبه بينهما من خلال ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في ذلك في كتب التفسير وشروحات الحديث وغيرها.

فمن هذه الأوجه:

أولاً: أنَّ النخلة لا بدّ لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، وكذلك شجرة الإيمان لا بدّ لها من أصل وفرع وثمر، فأصلها الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وفرعُها الأعمال الصالحة، والطاعات المتنوّعة، والقربات العديدة، وثمراتُها كلُّ خير يحصِّلُه المؤمن، وكلُّ سعادة يجنيها في الدنيا والآخرة.

روى عبد الله في السنة عن ابن طاووس، عن أبيه قال: "مثل الإيمان كشجرة؛ فأصلها الشهادة، وساقها وورقها كذا، وثمرُها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه.

قال البغوي رحمه الله: "والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أنَّ الشجرةَ لا تكون شجرةً إلاَّ بثلاثة أشياء؛ عِرق راسخ، وأصلٌ قائم، وفرع عالٍ، وكذلك الإيمان لا يتمّ إلا بثلاثة أشياء؛ تصديقٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعمل بالأبدان" [.

وقال ابن القيم رحمه الله: "الإخلاص والتوحيد شجرةٌ في القلب فروعُها الأعمال، وثمرها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المقيمُ في الآخرة، وكما أنَّ ثمار الجَنّة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك، والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب ثمرها في الدنيا الخوفُ والهمُّ والغمُّ وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزَّقومُ والعذاب المقيم، وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم" [.

يتبع بإذن الله تعالى

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير