تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(4، 5) مِنَ الْإِشْكَالِ الْمَعْنَوِيِّ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ تَمِيمًا وَأَصْحَابَهُ الثَّلَاثِينَ كَانُوا مِنْ عَرَبِ الشَّامِ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهُمْ رَكِبُوا سَفِينَتَهُمْ مِنْ بَعْضِ ثُغُورِهِمْ فِي الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ، وَقَدْ ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ أَنْ سَرَدَ لِلنَّاسِ الْحِكَايَةَ " فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ بِهِ عَنْهُ - أَيِ الدَّجَّالِ - وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ - لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ. مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ؟ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذِهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. ".

فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ رِوَايَةً فَهَذَا التَّرَدُّدُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَانِ الْجَزِيرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فِي أَيِّ الْبَحْرَيْنِ هِيَ؟ ثُمَّ إِضْرَابِهِ عَنْهُمَا وَجَزْمِهِ بِأَنَّهُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ إِلَخْ. إِشْكَالٌ آخَرُ فِي مَتْنِهِ يُنْظَرُ إِلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى فِي مَكَانِ الدَّجَّالِ بِعَيْنٍ وَيُنْظَرُ إِلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ابْنِ صَيَّادٍ بِالْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَيُنْظَرُ بِالْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا إِلَى سَبَبِ هَذَا التَّرَدُّدِ وَمُنَافَاتِهِ; لِأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الدَّجَّالِ عَنْ وَحْيٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَسَأَتَكَلَّمُ فِي سَبَبِهِ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ.

ثُمَّ أَيْنَ هَذِهِ الْجَزِيرَةُ الَّتِي رَفَأَ إِلَيْهَا تَمِيمٌ وَأَصْحَابُهُ فِي سَفِينَتِهِمْ؟ إِنَّهَا فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْمَرْفُوعِ - إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ - أَيِ الْجِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِسَوَاحِلَ سُورِيَّةَ مِنَ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوِ الْجِهَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِشَوَاطِئِ الْيَمَنِ مِنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، وَكُلٌّ مِنَ الْبَحْرَيْنِ قَدْ مَسَحَهُ الْبَحَّارَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مَسْحًا، وَجَابُوا سَطْحَهُمَا طُولًا وَعَرْضًا، وَقَاسُوا مِيَاهَهُمَا عُمْقًا، وَعَرَفُوا جَزَائِرَهُمَا فَرْدًا فَرْدًا، فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جَزِيرَةٌ فِيهَا دَيْرٌ أَوْ قَصْرٌ حُبِسَ فِيهِ الدَّجَّالُ وَلَهُ جَسَّاسَةٌ فِيهَا تُقَابِلُ النَّاسَ، وَتَنْقُلُ إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، لَعَرَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ كُلُّ النَّاسِ وَمَا قَالَهُ شَارِحُ الْمَشَارِقِ مِنْ تَنَقُّلِ الدَّجَّالِ فِي الْبَحْرَيْنِ أَوْ مِنَ الْجَانِبِ الشَّامِيِّ إِلَى الْجَانِبِ الْيَمَنِيِّ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ الْبَحْرَ وَاحِدٌ - وَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ مِنَ انْتِقَالِهِ إِلَى أَصْفَهَانَ ; لِيَخْرُجَ مِنْهَا مَعَ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِهَا - كِلَاهُمَا مِنَ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا مِنَ النَّقْلِ، وَلَا مِنَ الْمَقْبُولِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَنْبِطُونَهَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَعِزُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُرْجِعُوهَا إِلَى قَاعِدَتِهِمْ، تَعَارَضَتْ فَتَسَاقَطَتْ، حَتَّى إِنَّ الْحَافِظَ رَضِيَ لِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَجْمَعِ أَنْ يُقِرَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ ابْنَ صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَى أَنْ ذَهَبَ إِلَى أَصْفَهَانَ إِلَخْ. وَهُوَ يَحْفَظُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ فِي وِلَادَتِهِ بِالْمَدِينَةِ وَنُشُوئِهِ فِيهَا ثُمَّ إِسْلَامِهِ وَحَجِّهِ ثُمَّ مَوْتِهِ فِيهَا، عَلَى أَنَّهُ يَحْفَظُ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الْمُضْعِفَةِ لِهَذَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير