تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التطوع بالصلاة وهي سنة على طاعة والدته، وعدم إجابته لها – وهي واجبة - وقد دعته ثلاث مرات، إذ لو كان عالماً لقطع صلاته وأجاب أمه، ثم دخل في صلاته مرة ثانية. خرج مسلم في مسنده85 بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "كان جريج يتعبد في صومعة، فجعلت أمه – قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه حين دعته كيف جعلت كفها فوق حاجبها، ثم رفعت رأسها إليه تدعوه – فقالت: أنا أمك كلمني؛ فصادفته يصلي، فقال: اللهم أمي وصلاتي؛ فاختار صلاته، فرجعت ثم عادت في الثانية، فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني؛ فقال: اللهم أمي وصلاتي؛ فاختار صلاته، فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابني، وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى يرى المومسات؛ قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن، قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره، قال: فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي، فحملت فولدت غلاماً، فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدير؛ قال: فجاءوا بفؤوسهم ومساحيهم، فنادوه فصادفوه يصلي، فلم يكلمهم، قال: فأخذوا يهدمون دَيْره، فلما رأى ذلك نزل إليهم، فقالوا له: سل هذه؛ قال: فتبسم، ثم مسح رأس الصبي، فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضأن؛ فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني لك ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة؛ قال: لا، ولكن أعيدوه تراباً كما كان؛ ثم علاه". في هذه القصة من الفوائد والعبر ما يأتي: 1. تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم الدقيق لأم جريج وهي تنادي ابنها بوضع كفها على حاجبها ورفع رأسها إليه كما تفعل العجائز. 2. دقة وجودة حفظ أبي هريرة رضي الله عنه. 3. إذا تزاحم على الشخص أمران قدم الأهم ثم المهم، وقدم الواجب على الندب. 4. تحذير الوالدين من استعجال الدعاء على الأبناء. 5. أن العلم مقدم على العمل. 6. أن عقوبة العقوق تعجل، مع ما يُدخر للعاق في الآخرة. 7. ما دعت به أم جريج على جريج بأن لا يموت حتى يرى المومسات - وهن الزواني – مصيب لكل المشاهدين للفنانات، والممثلات، والنساء الكاسيات العاريات، فهن في حكم الزواني لتبرجهن، وسفورهن، وفتنتهن لعباد الله. قال الإمام النووي معلقاً على قصة جريج هذه: (فيه – أي في الباب – قصة جريج رضي الله عنه، وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها، وقال العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها، لأنه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته، فلعله خشي أنها تدعوه لمفارقة صومعته86 والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها، وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه).87 قلت: كانت هذه هي العقوبة بسبب عدم إجابته لأمه وهو في حال عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، فكيف تكون عقوبة من يدعوه أحد والديه وهو مرتكب لحرام أومكروه ولا يجيب؟ فكثير من الأبناء قد يدعوهم أحد الأبوين ويكون وهو يشاهد مسلسلاً، أويلعب "بالكتشينة" "الورق"، أويلعب كرة، أووهو يقرأ، أويكون جالساً مع صديقه، ونحو ذلك، ولا يتردد مجرد تردد كما تردد جريج في إجابة أمه أم الاستمرار في صلاته. على الأبناء أن يتقوا الله في أنفسهم وفي والديهم، وليعلموا أنهم ليسوا أعز على الله من جريج، ذلكم العابد الناسك، حيث عجَّل الله له العقوبة لصالحه، ولكن كثيراً من الأبناء والبنات قد تؤخر عنهم العقوبة استدراجاً لهم لشدة غفلتهم وعظيم جريمتهم، لأن بعض الأخيار قد يطهره الله من الذنوب والآثام في الدنيا، ويمحصهم بشيء من الابتلاءات، ولهذا جاء في الخبر: "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل والأمثل"، وهذا مصداق قوله عز وجل: "قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً". لقد ورد في حديث قال الترمذي غريب89، عن أبي هريرة يرفعه: "إذا اتخِذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير العلم، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة، وخسفاً، ومسخاً، وقذفاً، وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع"، الشاهد فيه التحذير من طاعة الزوجة على حساب بر الأم، وإدناء الصديق وإقصاء الأب، وعد ذلك من علامات الساعة المنذرة بنهاية الدنيا وظهور الشرور. قال ابن قتيبة رحمه الله: (كان صخر بن الشريد أخو الخنساء خرج في غزوة فقاتل فيها قتالاً شديداً، فأصابه جرح رغيب90، فمرض، فطال به مرضه وعاده قومه، فقال عائد من عواده يوماً لامرأته سلمى91: كيف أصبح صخر اليوم؟ قالت: لا حياً فيُرجى، ولا ميتاً فينسى؛ فسمع صخر كلامها فشق عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم، غير معتذرة إليك؛ ثم قال آخر لأمه: كيف أصبح صخر اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد الله صالحاً، ولا يزال بحمد الله بخير ما رأينا سواده92 بيننا؛ فقال صخر: أرى أمَّ صخر ما تمل عيادتي وملت سليمى مضجعي ومكاني وما كنتُ أخشى أن أكون جنازة عليك ومن يغتر بالحدثان93؟ فأي امرئ ساوى بأمٍ حليلة فلا عاش إلا في أذى و هوان أهم بأمر الحزم لو أستطيعه وقد حيلَ بين العَيْر والنزوان لعمري قد أنبهت من كان نائماً وأسمعت من كانت له أذنان فلما أفاق عَمَدَ إلى سلمى فعلقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها، ثم نكس من طعنته فمات). منقول

0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير