ـ[أبوسليمان السلفي]ــــــــ[01 - 12 - 08, 01:49 م]ـ
المسألة الثانية: أقوال العلماء في مسألة التحلل:
اختلف أهل العلم في ذلك على أربعة أقوال:
القول الأول:
وهو قول مالك، قال إن التحلل الأول يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة (1) يوم النحر، فيحل له كل شيء إلا النساء والصيد، وأما الطيب فهو مكروه عنده وليس بحرام، وأن التحلل الثاني يحصل بعد طواف الإفاضة، واستدل على ذلك بما يأتي:
1 - أثر مروي عن مكحول عن عمر أنه قال: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شي إلا النساء والصيد والطيب) ذكره صاحب المهذب، وقال النووي: هذا الأثر مرسل، فمكحول لم يدرك عمر فهو منقطع.
2 - قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) لان حرمة الجماع المتفق عليها بعد رمي جمرة العقبة دليل على بقاء إحرامه في الجملة فيشمله عموم قوله: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) لأنه لو زال إحرامه بالكلية لما حرم عليه الوطء.
3 - ماروى مالك في الموطأ: (أن عمر خطب الناس بعرفة وعلمهم أمر الحج وقال لهم فيما قال: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحجاج إلا النساء والطيب لا يمس أحد نساء ولا طيباً حتى يطوف بالبيت).
4 - مارواه الحاكم عن عبدا لله بن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والصبح بمنى، ثم يغدو إلى عرفة ... الحديث، وفيه (فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت)). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولم يتعقبه عليه الذهبي.
5 - مارواه أحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال: (إذا رميتم الجمرة فقد فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) الحديث. قال النووي: وقد روى النسائي وابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً، وإسناده جيد، إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا: يقال إن الحسن العرني لم يسمع ابن عباس ورواه البيهقي موقوفاً على ابن عباس.
قال الشنقيطي – رحمه الله –
والذي رأيته في سنن النسائي وابن ماجه أن حديث الحسن العرني المذكور موقوف عندهما على ابن عباس، إلا ما ذكره في تتمة الحديث من أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتضمخ بالمسك.
القول الثاني:
وهو مذهب أبي حنيفة أنه إذا حلق أو قصر بعد رمي جمرة العقبة حل التحلل الأول ويحل به كل شيء عنده إلا النساء وإن طاف طواف الإفاضة حل له النساء، والمدار عندهم على الحلق أو التقصير فلا يمكن أن يحل بدون الحلق، وحجتهم هي: أن حل النساء بعد الطواف إنما هو بسبب الحلق السابق لا بالطواف، لان الحلق هو المحلل، دون الطواف، غير أنه أخر عمله إلى مابعد الطواف.
القول الثالث:
وهو مذهب الشافعي أن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة على القول بأن الحلق نسك والثلاثة هي رمي الجمرة الكبرى، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وعلى القول بأن الحلق ليس بنسك فهو يحصل بواحد من اثنين: الرمي والطواف. والتحلل الثاني يحصل بالطواف.
قال الشنقيطي – رحمه الله – لم نعلم نصّاً يدل عليه هكذا
القول الرابع:
وهو مذهب احمد، أنه إن رمى جمرة العقبة ثم حلق (2) تحلل التحلل الأول، والتحلل الثاني يحصل بالطواف (3)
(1) قلت: وهو قول عطاء وأبي ثور ورواية عن أحمد. قال ابن قدامة وهو الصحيح ان شاء الله لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمه: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شي إلا النساء) وكذلك قال ابن عباس. المغني (5/ 310)
(2) قلت: اعلم أن الفقهاء – رحمهم الله - عندما يذكرون التحلل الأول يذكرون الحلق دون التقصير، وهذه عبارة لا يفهم منها أن التقصير ليس من التحلل بل هو منه، والأولى أن يذكر ولكنهم اكتفوا بذكر الحلق لأمور:
* من باب الاختصار.
* أنه هو لفظ الأحاديث التي يستدل بها بعضهم ومنها (إذا رميتم فاحلقوا).
* كونه فعل النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم
(3) قلت: لم يذكر المؤلف رحمه الله دليلاً من النقل على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وأهل الرأي من أن التحلل الأول يحصل بالرمي والحلق معاً، ودليلهم في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء). رواه أحمد وأبو داود بإسناد ضعيف جداً كما ذكر ذلك النووي رحمه الله. وقال أبو داود: حديث ضعيف رواه الحجاج بن أرطأه، عن الزهري ولم يلقه. قال البيهقي: وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطأة ... إلخ. قال أصحاب هذا القول: وترتب الحل عليهما دليل على حصوله بهما، ولانها نسكان يتعقبهما الحل، فكان حاصلاً بهما كالطواف والسعي في العمرة. قلت: وقد تقدم قول ابن قدامة أن عطاء وأبا ثور ومالك ورواية عن أحمد أن التحلل الآول يحصل بمجرد الرمي. قال ابن قدامة وهو الصحيح إن شاء الله. المغني (5/ 309). المجموع (8/ 266 - 227) الإرواء (4/ 235 - 236)
¥