وبإسناده إلى هشام بن عمار قال ابن حزم - رحمه الله -: «سمعتُ - أي هشام - مالك بن أنس يقول: ((من سب أبا بكر وعمر جُلِدَ، ومن سب عائشة قُتِلَ، قيل له: لم يُقتَل في عائشة؟، قال: لأن الله تعالى يقول في عائشة - رضي الله عنها -: ? يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ? .. فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل))»؛ علق ابن حزم - رحمه الله - معلقا: «قول مالك هاهنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها». (المحلي 15/ 11).
وعند قوله - تعالى -: ?إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ?.
قال الإمام السيوطي - رحمه الله -: «نزلت في براءة عائشة فيما قُذِفَت بِه، فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يقتل لتكذيبه لنص القرآن؛ قال العلماء: قذف عائشة كفر، لأن الله سَبَحَ نفسه عند ذكره - أي قصة الإفك - فقال: ? سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ?، كما سَبَحَ نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد». (الإكليل في استنباط التنزيل 190).
وقول السيوطي هنا شبيه بقول القاضي عياض في معرض استشهاده لقول الإمام مالك - رحمهم الله جميعا -، حيث قال القاضي: «وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال: ((إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه كقوله: ? وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ ?؛ في آي كثيرة وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال: ? وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ ? سَبَحَ نفسه في تبرئتها من السوء كما سَبَحَ نفسه في تبرئته من السوء، وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة، ومعنى هذا والله أعلم: أن الله لما عَظُمَ سبها كما عَظُمَ سبه، وكان سبها سباً لنبيه، وقَرَنَ سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل، كان مؤذي نبيه كذلك». (الشفا 2/ 267).
وقال القاضي في الشفاء كذلك: «قال الإمام مالك - رضي الله عنه -: ((من شتم أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهم -، فإن قال: [كانوا على ضُلال أو كفار] قُتِلَ، وإن شتم بغير هذا من مشاعة الناس نُكِلَ نكالاً شديدا، فلا يكون محاربوا علي كفرة كما زعمت بعض الفرق، ولا فسقة كما زعم آخرون ... ».
وقال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: «ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم». (لمعة الاعتقاد 29).
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: «قذف عائشة بما برأها الله منه كفر، لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم: أصحهما أنه كفر، لأنه قدح في النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الخبيثات للخبيثين». (شرح لمعة الاعتقاد 53).
وقال الإمام النووي - رحمه الله -: «براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين، قال ابن عباس وغيره: ((لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا إكرام من الله تعالى لهم))». (المنهاج شرح صحيح مسلم 17/ 117).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق: أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة والآخر عائشة، فأمر بقتل الذي شتم فاطمة وترك الآخر، فقال إسماعيل: ما حكمهما إلا أن يقتلا لأن الذي شتم عائشة رد القرآن»؛ علق - رحمه الله -: «وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهل البيت وغيرهم».
¥