ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[03 - 12 - 08, 12:21 م]ـ
أخي الكريم أبا معاوية البيروتي،
وددت أن لا أرد كما ذكرت، ولكن حباً لك وحتى لا يساء فهمي واحتراما لك سأشارك مرة أخرى في هذا الموضوع، ولعل أحد مشايخنا في الملتقى مما قرأ كلامي يذكر لي أين وجه المشاحة في ما قلته، ألا وهو أن المفتي عليه الإحاطة بحال المستفتي وواقعه الدي يعيشه، لتكون الفتوى على أساس واقع المستفتي لا المفتي!! وإنما خصصت الغرب بمعرض الحديث لمناسبة الكلام بداية، ولعدم وضوح صورة الحياة هناك وحال المسلمين لغيرهم في أرض المسلمين! فلست بمخصص بل الأمر عام وشامل.
قلت أن المشايخ، رحمهما الله، يحتمل وجود الخطأ في كلامهما، نقول، نعم، لكن الخطأ نادر عندهم من جهة، وإن وجد فلا شذود في فتواهم لأهل الغرب لإنه إن وجد الخطأ في فتاوى مشايخنا رحمهم الله فهو مما يحتمل فيه الجواب أن يكون على ما أفتوا به، وإن كنت أعلم أنهم كانوا يتتبعون الوقائع لتقصي حال المسألة، لذا كانت فتواهم محل اجتهاد مأجورين عليه! وهذا يختلف عن ما ذكرت في تعليقي السابق عن بعض ما وقع للشيخ مقبل في ما نقل عنه هنا!! فالفرق واضح، ومثال ذلك: مسألة اهداء القران مترجم للكافر!! ففتواه غير صحيحة على الإطلاق ولا تحتمل هذا الوجه، فالقران المترجم ليس بقران، والإهداء يكون من باب الدعوة، والحديث المستدل به خاص في القران والنهي هو مخافة اهانة القران من الأعداء، ولو علم الشيخ حقيقة الأمر لعلم أنه القران يباع هناك لأي شخص في المكتبات ويمكن الحصول عليه بسهولة!! وأن العديد من الكفار الراغبين في البحث عن الدين الصحيح يطلبون القران لقراءته، لذا نقول عدم احاطته بواقع المسألة أدت الى خطأه، فظهر الأمر وكأنه يجيب عن الأسئلة وكأن السائل يعيش في اليمن أو المغرب!!
ما زلت أقول أن التصور الكامل لحقيقة الأمر لا يكون إلا بسكنى الغرب ولو بزيارات الغرض منها تقصي أحوال المسلمين، وإلا كيف سيفعل بفتاوى الناس التي نتجت بناء على واقعهم لا واقع شخص أخر في بلد أخر!!! ودليل صحة كلامي ما ورد في الفتاوى السابقة. وللعلم هذا ليس خاص بالغرب بل ينطبق على أي مكان، لا أعلم أنّ حجازياً أفتى في وقتنا الحالي لأهل الشام في باب المعاملات والأعراف!! وأكرر لا أتكلم عن ما يتعلق في العبادات (بشكل عام)، وعلمنا بالمشايخ أنّ إجاباتهم مفصلة شاملة لا مقتضبة حتى لا يحصل لبس إن اشتبهوا في حال المسألة! وقد رأينا مسائل أفتى بها البعض لأهل المهجر حصل بسببها فساد عظيم مثل: قرض الربا للمسكن الأول، تكرار الجمعة في المسجد، التعامل مع المشركين!! ودعني أذكر لك واقعة عين شهدتها بنفسي لأني كنت المترجم في تلك المحاضرة لكلام أحد المشايخ حفظهم الله من الحجاز.
كانت المحاضرة عبر الهاتف، فسأل أحد الأخوة من أصول عربية إن كان الشيخ ينصح بالزاج من الأخوات الاتي أسلمن حديثاً، فأجاب الشيخ كما سيجيب أي شيخ أخر في الوضع الطبيعي، فقال: " لا ننصح بذلك، لأن الثقافة تختلف لذا ننصح الأخ والكل أن يتزوجوا من بنات قومهم" والله إني تصببت عرقاً عندما ذكر ذلك لعلمي بوجود بعض الأخوات حديثي الإسلام يستمعون، فما ظنك بذلك!! لا ريب أنّ الشيخ اخطأ من عدة أوجه فلو أنه سكن البلد الذي كنت فيه لعلم أن الشباب لا يعلمون عن العرب إلا أصولهم وهم بطباع القوم تشربوا وبعاداتهم أخذوا فكان الأنسب لهم أن يتزوجوا من كانت من تلك البلاد لا من بني جنسه، لتوافقهم في الثقافة والعادات، وهذا ثابت عندنا وعند الجميع بأن بنات العرب لا يصحلحون لهم لعدم الإنسجام، فكان الأصلح لهم وما يرغبوا فيه من كانت من ذلك البلد! وطباع الناس هذه لا يعرفها إلا من سكن البلد، كما أنه لوعرف بحساسية هذه الأمور للسناء حديثي الإسلام لما نطق بذلك، وقد علمنا من تركت الدين لمثل هذا لسوء التواصل بين الطرفين، فالمفتي يفترض في بعض الأحيان أن السائل عنده من العلم ما يؤهله فيعطيه الخلاصة دون تفصيل!! هل يعقل هذا! فكيف يفتى لهم ممن لا يعرف عن حالهم شيئاً!! وما كلامي إلا من باب النصح لا النقد فالمسألة خطيرة!
وأظن ما نقلت عن الشيخ مقبل في التعامل مع الكافرين فيه من الفساد العظيم على المستفتي ومن سينقل لهم الفتوى!! وقد عاينت بأم عيني نتاج هذه الفتاوى على الشباب هناك! وهذا لا ينكره أحد فالأمر جلل يستحق التوقف فيه والتفكر في نتائجه.
أخي الفاضل، حفظكم الله:
لو ملكت مجمل معنى كلامي لما توقفت عند بعضه، فأنا لم أقل بالعيش بل بالسكن وهو متحقق بزيارة القصد منها التعرف على حالهم هناك. وإن كانت هناك بعض الحالات التي يتطلب فيها السكن ومعاشرة أهل البلد لمعرفة ذلك، بل ربطنا السكن بفهم واقع حال الناس، فلا يكفي الأول دون الثاني. فكم من شخص وقف على دقائق أحوال السلف ولا يدري ما يجري خارج بابه، فعامل الناس كأنهم السلف فاستنكر وأفتى على هذا الأساس!!
طلبت مني كلاما في خاص وكلامي على العموم، وما كان من التخصيص في الكلام فهو لمناسبة الحديث، ولعل رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في قضية أنه لا يفتي في أمور الجهاد إلا من قام بالجهاد (الفقيه يعني)، تقابل ما ذكرته لك، ومقصده أن هنالك العديد من المسائل ما تحتاج إلى تصور وإحاطة بتفاصيلها قبل الفتوى فيها، وهذا ما يسمى بفقه النوازل وهو ينطبق على كل الأمور، وسكنى المسلم لبلاد الكافر على ما نراه اليوم هو من النوازل التي تصدى لها بعض العلماء بارك الله في جهودهم.، فاختلف حالهم وواقعهم فاستلزم أن يكون المفتي لهم على اطلاع تام على أحوالهم ليتمكن من اجابة اسئلتهم، وإلا أفتى على أساس واقعه هو الذي يحيط به!!
أظن ما ذكرت كافٍ ليزيل لك الإشكال. فتدبر الأمر تعلم الصواب، إن شاء الله!
والله أعلم وأحكم
¥