والبدن جعلناها لكم من شعائر الله، لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذالك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين).] الحج: 27: 37]
قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: «يقول تعالى: هذا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: أوامره (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم، عن مقْسَم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) قال: الاستسمان، والاستحسان، والاستعظام.
وقال أبو أمامة بن سهل: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون. رواه البخاري) ا. هـ.
وروى البخاري (5553) من حديث شعبة عن عبدالعزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك قال: كان النبي r يضحي بكبشين، قال أنس: وأنا أضحي بكبشين.
وفي رواية له (5229) من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن الرسول r انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده.
وفي رواية أخرى له (5238) ولمسلم (1966) من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال: ضحى النبي r بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده.
ورواه مسلم (1966) أيضا من طريق أبي عوانة عن قتادة عن أنس بنحوه.
حكم الأضحية:
الأضحية عبادة من أفضل العبادات، وأعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وقد اختلف أهل العلم في حكمها على قولين:
القول الأول: وجوبها, وهو مذهب أبي حنيفة، وقول في مذهب الإمام أحمد، وقول في مذهب الإمام مالك، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية.
والقول الثاني: استحبابها وعدم وجوبها, وهو مذهب الإمام الشافعي، والمشهور في مذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، وهذا هو الصحيح، ولكنها من السنن المؤكدة, ويدل على هذا عدة أدلة:
الدليل الأول: أن الأصل براءة الذمة، ولا نعلم دليلا صحيحا صريحا يدل على وجوب الأضحية، والأحاديث التي فيها الأمر بها لا يصح منها شيء وأما ما جاء في حديث جندب بن سفيان، وحديث البراء بن عازب، وحديث أنس – وكلها في «الصحيحين» - فهو مقيد بمن ذبح قبل الصلاة, ولذا جاء في حديث جندب: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها, ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله».
والدليل الثاني: روى أبو داود (2789) من حديث عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي r قال: «أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله عز وجل لهذه الأمة». قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا أضحية أنثى، أفأضحي بها؟ قال: «لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل».
وهذا في يوم العيد، فلو كانت الأضحية واجبة لأمره أن يضحي بهذه المنيحة الأنثى.
والدليل الثالث: ما رواه مسلم في «صحيحه» (1977) عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي r قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي ... » الحديث، فعلق الأضحية بإرادة الشخص) في عدم دلالة تعليق الأمر بالإرادة على وجوب العبادة كلام لأهل العلم, فهو ليس على إطلاقه, فالإرادة أحيانا لا تنافي الوجوب، كما في قوله r عندما وقت المواقيت، قال: «هن لهن ولمن أتى عليهن ممن أراد الحج والعمرة»، ولا شك أن الحج واجب، والراجح في العمرة أنها واجبة أيضا, ولكن الإرادة في الغالب تدل على عدم الوجوب، والأدلة الأخرى في هذه المسألة كافية, والله تعالى أعلم. (
والدليل الرابع: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أوجب الأضحية, قال أبو محمد ابن حزم في «المحلى» (7/ 358): (لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة) ا. هـ.
وروى البيهقي (9/ 265) بإسناد صحيح عن الشعبي عن أبي سريحة الغفاري – وهو حذيفة بن أسيد - قال: أدركت أبا بكر - أو رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما.
وروى البيهقي أيضا (9/ 265) بإسناد صحيح عن أبي مسعود الأنصاري قال: إني لأدع الأضحى وإني لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي.
¥