وروى ابن أبي شيبة (2/ 168): ثنا يزيد بن هارون ثنا شريك قال: قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبر علي وعبدالله؟ قال: كانا يقولان: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال البيهقي في «الكبرى» (3/ 314) بعد أن رواه من طريق حسين بن علي عن زائدة به: (وكذلك رواه أبو جناب عن عمير بن سعيد عن علي) ا. هـ.
وأما عبد الله بن مسعود فقد ثبت عنه بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله به.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 167 - 168) وابن المنذر في «الأوسط» (2240).
وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/ 167) عن وكيع عن حسن بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه كان يكبر أيام التشريق.
قلت: والأول أصح.
وأما ابن عباس فهو صحيح عنه أيضا؛ رواه ابن أبي شيبة (2/ 167): ثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبي بكار عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب، يقول: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» (3/ 134، 315)، ولفظه: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
وأخرجه ابن المنذر (2202) من طريق ابن أبي شيبة ولفظه كما عند ابن أبي شيبة.
قلت: وما نقل عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في بداية التكبير وأنه يبدأ من صلاة الصبح من يوم عرفة يحتمل عدة احتمالات:
الأول: أن هذا التكبير إنما هو المقيد الذي يكون أدبار الصلوات المكتوبة كما ذهب إلى هذا الإمام أحمد.
الثاني: أن التكبير يتأكد من يوم عرفة وإن كان هو مشروعا منذ بداية العشر، ولا يخفى أن آكد التكبير في هذه الأيام إنما يكون في يوم العيد الذي هو يوم النحر، ولذا تقدم ما نقل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر إلى صلاة العصر من يوم النحر.
ولا يخفى أن هذا الوقت هو آكد أوقات التكبير في هذه الأيام.
الثالث: أن هؤلاء الصحابة كانوا يبدؤون بالتكبير من يوم عرفة بغض النظر عن كونه مطلقا أو مقيدا، وخاصة أن الذين نقل عنهم هذا الشيء لم ينقل عنهم أنهم كانوا يكبرون من أول أيام العشر.
نعم سبق عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران, ويكبر الناس بتكبيرهما.
وجاء عن ابن عمر أيضا أنه كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق، ولكن في إسناده عبد الله العُمَرِي وفيه ضعف. أخرجه ابن المنذر (2205)، ورواه أيضا البيهقي في «الكبرى» (3313).
وسبق ما رواه عنه مسلم أنه قال: كنا مع رسول الله r في غداة عرفة، فمنا المكبر ومنا المهلل، فأما نحن فنكبر.
وثبت عنه من طريق ابن جريج قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي ممشاه. رواه ابن المنذر في «الأوسط» (22) وعلقه البخاري في «صحيحه» في كتاب العيدين/باب التكبير أيام منى, وإذا غدا إلى عرفة. مجزوما به.
والذي أميل إليه أن ما جاء عن علي وغيره أن هذا من باب تأكيد التكبير، وأنه يتأكد في يوم عرفة وما بعده، وبالذات في يوم النحر، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: حديث محمد بن أبي بكر الثقفي – السابق - أنه سأل أنس بن مالك - وهما غاديان من منى إلى عرفة - كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله r؟ فقال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه.
وفي رواية لمسلم: فمنا المكبر ومنا المهلل، ولا يعيب أحدنا على صاحبه.
ففي هذا الحديث لم يقيد التكبير بصلاة، بل أطلقه في اليوم كله.
بل في حديث ابن عمر – السابق - عند مسلم (1284): غدونا مع رسول الله r من منى إلى عرفات، منا الملبي ومنا المكبر.
وفي لفظ: كنا مع رسول الله r في غداة عرفة، فمنا المكبر ومنا المهلل، فأما نحن فنكبر. قال: قلت: والله لعجباً منكم! كيف لم تقولوا له ماذا رأيت رسول الله r يصنع؟!
ففي هذا الخير أن ابن عمر أطلق التكبير منذ الصباح لم يقيده بصلاة، وقال: (فأما نحن فنكبر)، وأما استثناء بعض أهل العلم الحاج من التكبير المقيد فهذا فيه بعض النظر لما تقدم في هذين الحديثين، وبالذات في قول ابن عمر: «وأما نحن فنكبر»، وقد كانا – أي: أنس وابن عمر – حاجين.
¥