ومن عظمة هذا الذكر أن الصلاة تفتتح به، وأن النداء إليها يفتتح بها ويختتم بها، كما أن الصلاة في نهيتها يكون الاستغفار والتهليل والتسيبح والتحميد والتكبير.
وفي «الصحيحين» (البخاري/806، مسلم/583) من حديث ابن عباس أنه قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله r بالتكبير.
والطواف بالبيت يفتتح بالتكبير، ورمي الجمار السنة فيه التكبير مع كل جمرة، وعند الصفا وكذلك المروة يفتتح الدعاء بالتكبير ثلاثا، وعند الذبح تقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد جاء في «صحيح مسلم» (2173) من حديث هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله r: « أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت».
ولو فقه المسلمون معنى هذه العبادة وعملوا بمقتضاها لاستقامة أحوالهم دينا ودنيا، وأولى وأخرى، وذلك عندما يعلم المسلم حقيقة أن الله أكبر من كل شيء، فإنه سوف يلتزم بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويعبده حق عبادته، ويتوكل عليه، ولا يخشى فيه لومة لائم.
التكبير المطلق والتكبير المقيد:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن التكبير ينقسم إلى قسمين: مطلق ومقيد، فيكون مطلقاً منذ دخول العشر إلى نهاية أيام التشريق، وأما التكبير المقيد فيبدأ من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وذلك بعد أدبار الصلوات الخمس.
قال القاضي أبو يعلى: (التكبير في الأضحى مطلق ومقيد؛ فالمقيد عقيب الصلوات، والمطلق في كل حال في الأسواق وفي كل زمان). ا. هـ) ينظر: «المغني» (3/ 256)
وهذا لغير الحاج، قال الإمام أحمد عن هذا: في حق أهل الأمصار، فأما أهل الموسم فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر؛ لأنهم قبل ذلك مشتغلون بالتلبية. وحكاه عن سفيان بن عيينة واستحسنه، فقال: (ما أحسن ما قال سفيان) ينظر: «الأوسط» لابن المنذر (4/ 303)، و «فتح الباري» لابن رجب (9/ 23 (
ودليلهم في ذلك هو ما نقل عن جمع من الصحابة أنهم كانوا يكبرون من بعد صلاة الصبح يوم عرفة، مع أن التكبير يبدأ منذ دخول العشر، فلذا حملوا هذا على التكبير المقيد، وحملوا ما جاء عن بعض الصحابة من التكبير في أول العشر حملوه على المطلق.
وقد نقل الإمام أحمد الإجماع على التكبير المقيد الذي يكون بعد صلاة الصبح من يوم عرفة، فقد حكاه عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس. قيل له: فابن عباس اختلف عنه؟ فقال: هذا هو الصحيح عنه، وغيره لا يصح عنه. نقله الحسن بن ثواب عن أحمد ا. هـ من «فتح الباري» لابن رجب (9/ 22) ينظر: «المغني» (3/ 289).
قلت: فأما الرواية عن عمر ففيها ضعف، أخرجها ابن أبي شيبة (2/ 167) وابن المنذر في «الأوسط» (2200) و (2207)، والبيهقي (3/ 314) من طرق عن حجاج بن أرطاة قال: سمعت عطاء يحدث عن عبيد بن عمير قال: كان عمر ... ، فذكره.
قال البيهقي: (كذا رواه الحجاج عن عطاء، وكان يحيى بن سعيد القطان ينكره، قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ذاكرت به يحيى بن سعيد فأنكره وقال: هذا وهم من الحجاج، وإنما الإسناد عن عمر أنه كان يكبر في قبته بمنى.
قال الشيخ - أي البيهقي -: والمشهور عن عطاء ابن أبي رباح أنه كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ولو كان عند عطاء عن عمر هذا الذي رواه عنه الحجاج لما استجاز لنفسه خلاف عمر والله أعلم.
وقد روي عن أبي إسحاق السبيعي أنه حكاه عن عمر وعلي وهو مرسل) ا. هـ.
قلت: ثم رواه من طريق علي بن مسلم الطوسي ثنا أبو يوسف _ يعني القاضي _ ثنا مطرف بن طريف عن أبي إسحاق قال: اجتمع عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، على التكبير في دبر صلاة الغداة من يوم عرفة، فأما أصحاب ابن مسعود فإلى صلاة العصر من يوم النحر، وأما عمر وعلي فإلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق «سنن البيهقي» (3/ 314)
قلت: هذا منقطع كما قال البيهقي.
وأما التكبير في أيام منى – وهي أيام التشريق – فهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه عند البخاري معلقا مجزوما به, كما سبق.
وأما ما جاء عن علي فهو ثابت عنه، قال ابن أبي شيبة (2/ 165): ثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن علي، وعن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن عن علي.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (2203)، وينظر: (2201).
¥