1 - ذهب الحنفية إلى أن الأصل الشرعي في حرية الشروط هو التقييد، وذلك لأن لكل عقد في النظر الفقهي أحكاما أساسية تترتب عليه تسمى مقضى العقد ... وعلى ذلك فلا يكون للعاقدين أن يشترطا ما يخالف هذا المقتضى، فإن اشترطا شرطا مخالفا له كان فاسدا.
وقد اتجه الشافعية وأكثر المالكية وطائفة من الحنابلة إلى نحو ما ذهب إليه الحنفية غير أنهم اختلفوا معهم في الفروع والتفصيلات ومدى صحة التوسع فيها.
2 - وتتجه أصول أحمد المنصوصة عنه إلى أن الأصل الشرعي حرية العقود أنواعا وشروطا ووجوب الوفاء بكل ما يلتزمه المتعاقدان ويشترطانه فيه ما لم يكن هناك نص أو قياس صحيح يمنع من عقد معين أو شرط محدد.
قال ابن تيمية:
"وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما، وعدم الإيجاب في الأصل ليس نفيا للإيجاب، حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، ولك شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا."
ويقول:
الأصل في العقود والشروط الصحة ..... وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه."
=========================
الشبهات حول جواز تضمين المضارب بالشرط:
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي.
الشبهة الثانية: شبهة الذريعة الربوية.
====================
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي:
أي أن اشتراط ضمان رأس المال على المضارب يفرِّغ عقد القراض من مضمونه، ويحوله إلى قرض ربوي.
والجواب عن ذلك:
أن هناك في الحقيقة شبها بين القرض الربوي وبين تضمين المضارب من رأس المال في المضاربة، من حيث كون رأس المال في كل منهما مضمونا في ذمة القابض.
غير أن هناك فرقا جوهريا بينهما:
من حيث كون الزيادة على رأس المال في القرض الربوي محققة مضمونة في ذمة المقترض إذ هو إقراض مع زيادة مشروطة على رأس المال، بينما القراض مع تضمين المضارب رأس المال بالشرط لا يترتب عليه زيادة محققة مضمونة على رأس المال في ذمة المضارب بحال، بل قد يترتب عليه زيادة محتملة في الربح لا في ذمة المقترض. إذ الأمر لا يخلو من ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يخسر المضارب في استثماره لرأس مال المضاربة.
والثاني: أن لا يحقق ربحا ولا خسارة.
وفي كلتا الحالتين لا يستحق رب المال في المضاربة أي زيادة على رأس المال الذي دفعه للمضارب.
والاحتمال الثالث: أن يترتب على عمل المضارب ربح.
وفي هذه الحالة فقط يستحق رب المال نصيبه في الربح الحاصل، لا في ذمة المضارب. فاقترقا.
وبذلك يظهر لنا:
أن الشبه بين القرض الربوي وبين القراض مع اشتراط ضمان المضارب لرأس المال إنما هو شبه جزئي في جانب من الصورة، لا في المعنى المؤثر والحقيقة، ومن ثم لم يكن له تأثير شرعي في قلب المضاربة إلى عقد قرض ربوي، نظرا للفارق الجوهري بينهما. (1)
الشبهة الثانية: شبهة الذريعة الربوية:
أي أن يكون اشتراط الضمان على المضارب (البنك الإسلامي) ذريعة إلى إقراض المودعين البنك قروضا بفائدة.
والجواب على ذلك:
أن مجرد احتمال كون هذا الاشتراط ذريعة إلى القرض الربوي لا يترتب عليه حظر ذلك الاشتراط شرعا، وذلك لأن للعمل بقاعدة "سد الذرائع" عند المحققين من الفقهاء القائلين بها شرطين:
أحدهما:
أن يكون التوسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور فيها كثيرا بمقتضى العادة وأن تقوى التهمة وتظهر على قصد ذلك المحظور وإرادته ....
ولا يخفى إن اشتراط الضمان على المضارب ليس فيه إفضاء كثير بمقتضى العادة إلى القرض الربوي، وليس هناك تهمة قوية تظهر على قصد الطرفين ذلك المحظور وإرادته إذ القصد والغرض من هذا الاشتراط إنما هو حماية رؤوس أموال المودعين من تعدي المضارب أو تفريطه في المحافظة عليها أو سوء إدارته لها في هذا الزمن الذي فسد فيه الناس وكثرت خيانات الأمناء.
والثاني:
أن لا يكون هناك حاجة ولا مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة فإن ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة أو المصلحة الراجحة
يقول ابن تيمية:
"أصل الإمام أحمد وغيره أن ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه.
¥