تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المحاسبي يصف هول يوم القيامة (رحماك يا الله)]

ـ[أبو عمر الجداوي]ــــــــ[11 - 12 - 08, 03:45 ص]ـ

المحاسبي رحمه الله يصف هول يوم القيامة:

حتى إذا تكاملت عدة الموتى وخلت من سكانها الأرض والسماء، فصاروا خامدين بعد حركاتهم فلا حِسَّ يُسمع ولا شخص يُرى وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزلياً واحداً منفرداً بعظمته وجلاله، ثم لم يفجأ روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم. فتوهم كيف وقوع الصوت في مسامعك وعقلك وتفهم بعقلك أنك تُدعى إلى العرض على الملك الأعلى فطار فؤادك وشاب رأسك للنداء لأنها صيحة واحدة بالعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياءـ فبينما أنت فزع للصوت إذ سمعت بانفراج الأرض على رأسك فوثبت مغبراً من قرنك إلى قدمك بغبار قبرك قائم على قدميك شاخص ببصرك نحو النداء وقد ثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة وهم مُغَبَّرون من غبار الأرض التي طال فيها بلاؤهم. فتوهم ثورتهم بأجمهم بالرعب والفزع منك ومنهم فتوهم نفسك بعريك ومذلتك وانفرادك بخوفك وأحزانك وغمومك وهمومك في زحمة الخلائق عراة حفاة صموت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة فلا تسمع إلا همس أقدامهماوالصوت لمدّة المنادي، والخلائق مقبلون نحوه، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت، ساعٍ بالخشوع والذِّلة، حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة، قد نزع الملْك من ملوك الأرض ولزمتهم الذلة والصغار، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدراً بعد عتوّهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه. ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال، منكسة رؤوسها لذلّ يوم القيامة بعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذليلة ليوم النشور لغيرِ بَلِيَّةٍ نابتها ولا خطيئةٍ أصابتها، فتوهم إقبالهابذلّها في اليوم العظيم ليوم العرض والنشور. وأقبلت السباع بعد ضراوتها وشهامتها منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذلّ والمسكنة والإنكسار للملك الجبار، وأقبَلَتِ الشياطين بعد عتوّها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه فسبحان الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبائعهم وتوحش بعضهم من بعض قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور.

حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامّها، واستتووا جميعاً في موقف العرض والحساب تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر، وأظلمت الأرض بخمود سراجها وإطفاء نورها. فبينما أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدُّنيا من فوقهم، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم، وذلك بعينك تنظر إلى هول ذلك، ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام، فيا هول صوت انشقاقها في سمعك، ثم تمزقت وانفطرت بعظيم هول يوم القيامة والملائكة

قيام على أرجائها وهي حافّات ما يتشقق ويتفطر، فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها، فأذابها ربّها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطه صفرة لفزع يوم القيامة كما قال الجليل الكبير: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ*وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ} فبينا ملائكة السماء الدنيا على حافّتها إذ انحدروا محشورين إلى الأرض للعرض والحساب، وانحدروا من حافّتيها بعظم أجسامهم وأخطارهم وعُلُوِّ أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين إلى الأرض بالذلّة والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه. فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم وكبير أجسامهم وهول أصواتهم وشدة قرقهم منكسين لذل العرض على الله عز وجل. فيا فزعك وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم، ومسألتهم إياهم: أفيكم ربنا؟ ففزع الملائكة من سؤالهم إجلالاً لمليكهم أن يكون فيهم، فنادوا بأصواتهم تنزيلاً لما توهمه أهل الأرض: سبحان ربنا ليس هو بيننا فهو آت، حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم لذل يومهم. فتوهم، وقد تسربلوا بأجنحتهم ونكسوا رؤوسهم في عظم خلقهم بالذل والمسكنة والخشوع لربهم، ثم كل شيء على ذلك وكذلك إلى السماء السابعة كل سماء مضعفين بالعدد، وعظم الأجساد، وكل أهل السماء محدقين بالملائكة صفا. حتى إذا وافى الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين وأدنيت من رؤوس الخلائق قاب قوس أو قوسين، ولا ظل لأحد إلا ظلَّ رب العالمين، فمن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير