بين مستظل بظل العرش، وبين مضحو بحر الشمس، وقج صهرته بِحَرِّها واشتدّ كربه وقلقه من وهجها، ثم ازدحمت الأمم وتدافعت، فدفع بعضهم بعضاً وتضايقت فاختلفت الأقدام وانقطعت الأعناق من العطش واجتمع حر الشمس ووهج أنفاس الخلائق وتزاحم أجسامهم، ففاض العرق منهم سائلاً حتى استنقع على وجه الأرض ثم على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم عند الله عز وجل بالسعادة والشقاء، حتى إذا بلغ من بعضهم العرق كعبيه، وبعضهم حقويه، وبعضهم إلى شحمة أذنيه، ومنهم من كاد أن يغيب في عرقه ومن قد توسط العرق من دون ذلك منه.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل (وقال مرة إن الكافر) ليقوم يوم القيامة في بحر رشحه إلى أنصاف أذنيه من طول القيام)). وعن عبدالله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الكافر يلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم، (وقال علي: من طول القيام. قالا جميعا) حتى يقول: رب أرحني ولو إلى النار. وأنت لا محالة أحدهم، فتوهم نفسك راجعة لكربك وقد علاك العرق، وأطبق عليك الغم، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب، والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء، حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم. عن قتادة أو كعب قال: يوم يقوم الناس لرب العالمين. قال: (يقومون مقدار ثلاثمائة عام، قال سمعت الحسن يقول: ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش، واحترقت أفواههم من الجوع انصرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية قد آن حرها، واشتد نفحها، فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم، وموسى وعيسى من بعد إبراهيم، كلهم يقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول: نفسي نفسي، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لإهتمامه بنفسه وخلاصها، وكذلك يقول الله عز وجل: {يَوْمَ تَأْتِيْ كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}.فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم، منفرد كل واحد منهم بنفسه، ينادي نفسي نفسي. فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي، فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه، فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم، والخليل إبراهيم، والكليم موسى، والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله عز وجل وعظم قدر منازلهم عند الله عز وجل، كل ينادي: نفسي نفسي، شفقاً من شدة غضب ربه، فأين أنت منهم في إشفاقك في ذلك اليوم واشتغالك بذلك اليوم، وبحزنك وخوفك؟ حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم أتوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجاب إليها، ثم قام إلى ربه عز وجل واستأذن عليه فأذن له ثم خر لربه ساجداً، ثم فتح عليه من محامده والثناء عليه لما هو أهله، وذلك كله بسمعك وأسماع الخلائق، حتى أجابه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم.
ــــــــــــ
المرجع: كتاب القيامة الكبرى للدكتور عمر الأشقر
ـ[احمد السعد]ــــــــ[11 - 12 - 08, 10:18 ص]ـ
جزاك الله خيراً اْخي الكريم
والله اْنه ليوم عظيم , نساْل الله العافية
ـ[أبو عمر الجداوي]ــــــــ[21 - 12 - 08, 01:42 م]ـ
للرفع
ـ[سمير زمال]ــــــــ[21 - 12 - 08, 03:44 م]ـ
بارك الله في أخي
ـ[أبي عبدالله الأثري المديني]ــــــــ[21 - 12 - 08, 04:01 م]ـ
بوركت يداك، ونسأل الله لنا جميعا العافية والسلامة.
قلت لنا جميعا في هذا الملتقى وكل أحبابنا وأحبابكم والطيبين حولنا أجمعين.
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[21 - 12 - 08, 05:33 م]ـ
......
ـ[أم ريم المالكية]ــــــــ[21 - 12 - 08, 05:45 م]ـ
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
اللهم سلم سلم، واجنبنا ذل الموقف.
ـ[محمد ابو ناصر]ــــــــ[21 - 12 - 08, 09:58 م]ـ
لقد اشتريت كتابا صغير الحجم للمحاسبي عن احوال الانسان ابتداء بالموت وانتهاء بدخول الجنة أو النار ووصفا للنعيم في الجنة والعذاب في النار وهو كتاب عظيم التأثير وقوي الوصف والتعبير وقد اقتنيته من مكتبة العبيكان
وفيه على ما اذكر الكلام المذكور اعلاه، انصح بالرجوع اليه رزقنا الله الامن في يوم العرض على الله تعالى ووالديينا ووالديكم والمسلمين اجمعين.
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[21 - 12 - 08, 11:22 م]ـ
لقد اشتريت كتابا صغير الحجم للمحاسبي عن احوال الانسان ابتداء بالموت وانتهاء بدخول الجنة أو النار ووصفا للنعيم في الجنة والعذاب في النار وهو كتاب عظيم التأثير وقوي الوصف والتعبير وقد اقتنيته من مكتبة العبيكان
وفيه على ما اذكر الكلام المذكور اعلاه، انصح بالرجوع اليه رزقنا الله الامن في يوم العرض على الله تعالى ووالديينا ووالديكم والمسلمين اجمعين.
ماأسمه؟