[مختارات من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي]
ـ[أبو عبد الرحمن بن حسين]ــــــــ[17 - 12 - 08, 02:42 ص]ـ
مختارات من صيد الخاطر
قال ابن الجوزي رحمه الله:
- مثل الطبع في ميله إلى الدنيا، كالماء الجاري فإنه يطلب الهبوط، وإنما رفعه إلى فوق يحتاج إلى التكلف.
- من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، ونجا من شرها.
ومن لم ير العواقب غلب عليه الحس، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة وبالنصب ما رجا منه الراحة.
وبيان هذا في المستقبل، يتبين بذكر الماضي، وهو أنك لا تخلو، أن تكون عصيت الله في عمرك، أو أطعته.
فأين لذة معصيتك؟ وأين تعب طاعتك؟ هيهات رحل كل بما فيه!
- من تفكر في عواقب الدنيا، أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر.
ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه، ويتحقق ضرر حال ثم يغشاه " وتخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه ".
تغلبك نفسك على ما تظن، ولا تغلبها على ما تستيقن.
- فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة. فإن الهوى مكايد.
وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه!
- أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقب بالعقوبة. وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتمكن من الذنوب.
ومن هذه حاله، لا يفوز بطاعة.
وإني تدبرت أحوال أكثر العلماء والمتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها، ومعظمها من قبل طلبهم للرياسة.
فالعالم منهم، يغضب إن رد عليه خطؤه، والواعظ متصنع بوعظه، والمتزهد منافق أو مراء.
فأول عقوباتهم، إعراضهم عن الحق شغلاً بالخلق.
ومن خفي عقوباتهم، سلب حلاوة المناجاة، ولذة التعبد.
إلا رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات، يحفظ الله بهم الأرض، بواطنهم كظواهرهم، بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم، بل أحلى، وهممهم عند الثريا، بل أعلى.
إن عرفوا تنكروا، وإن رئيت لهم كرامة، أنكروا.
فالناس في غفلاتهم، وهم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم أملاك السماء.
نسأل الله معز وجل التوفيق لاتباعهم، وأن يجعلنا من أتباعهم.
- من علامة كمال العقل علو الهمة! والراضي بالدون دنيء!!
- سبحان من سبقت محبته لأحبابه، فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم، لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم.
- فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه. فإن بغته الموت رئي مستعداً، وإن نال الأمل ازداد خيراً.
- وقال أبو سليمان الداراني: من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفىء في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفىء في ليله.
- وهل الناس إلا صاحب أثر نتبعه، أو فقيه يفهم مراد الشرع ويفتي به؟.
نعوذ بالله من الجهل، وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل!.
فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة.
والمحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت ... !!
- وإن من الخطأ الذي وقع فيه بعض العلماء إيثاره التنفل بالصلاة والصوم، عن تصنيف كتاب، أو تعليم علم ينفع لأن ذلك بذر يكثر ريعه، ويمتد زمان نفعه.
- وإذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلاً، صاح لسان الحال بالعلماء: وهل المراد من العلم إلا العمل؟!.
وقال أحمد بن حنبل: وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟ وصح عن سفيان الثوري قال: وددت أن يدي قطعت ولم أكتب الحديث.
وقالت أم الدرداء لرجل: هل عملت بما علمت؟ قال: لا. قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك؟.
- نظرت في الأدلة على الحق سبحانه وتعالى فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز وجل، فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس.
وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل، ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار، ولا يضاع لديه عمل.
وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها وبأكثر منها، حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً ولا يذكرونه إلا بالمحاسن، ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عمل عامل.
¥