تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ حَرَامٌ ... وَلَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي مَاءٍ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ... وَلَا تَمْتَشِطُ الْمَرْأَةُ بِالْخَمْرِ فِي الْحَمَّامِ .. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسْقَى الصِّبْيَانُ الْخَمْرَ لِلدَّوَاءِ ... وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُدَاوِيَ بِهَا جُرْحًا فِي بَدَنِهِ، أَوْ يُدَاوِيَ بِهَا دَابَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِالْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ثُمَّ الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْحَلَالِ مَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ فِي الْمُدَاوَاةِ ... وَلَوْ كَانَ التَّخَلُّلُ جَائِزًا لَأَرْشَدَهُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ فِي حَقِّ الْيَتَامَى، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْ التَّخَلُّلِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُرَخِّصَ فِيهِ فِي خُمُورِ الْيَتَامَى، وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ، فَالْفِعْلُ الْمُحَرَّمُ شَرْعًا لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْحِلِّ كَذَبْحِ الشَّاةِ فِي غَيْرِ مَذْبَحِهَا؛ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ عَيْنٌ مُحَرَّمُ الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالتَّخْلِيلُ تَصَرُّفٌ فِيهَا عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، فَيَكُونُ حَرَامًا كَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ ... وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ تَنْجِيسُ شَيْءٍ بِإِلْقَائِهِ فِيهِ، وَلَا مُبَاشَرَةُ فِعْلٍ حَرَامٍ فِي الْخَمْرِ، فَهُوَ نَظِيرُ الصَّيْدِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ حَلَّ اصْطِيَادُهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَحِلَّ، وَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ وَمَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ بِمُبَاشَرَتِهِ فِعْلًا حَرَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بِنَفْسِهِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مِنْ طَبْعِ الْخَمْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَإِذَا تَخَلَّلَتْ، فَقَدْ تَحَوَّلَتْ بِطَبْعِهَا، وَصَارَتْ فِي حُكْمِ شَيْءٍ آخَرَ

- قال ابن قدامة في المغني:

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْخَمْرَةُ إذَا أُفْسِدَتْ، فَصُيِّرَتْ خَلًّا، لَمْ تَزُلْ عَنْ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ قَلَبَ اللَّهُ عَيْنَهَا فَصَارَتْ خَلًّا، فَهِيَ حَلَالٌ) رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ يُفْسِدُهَا كَالْمِلْحِ، فَتَخَلَّلَتْ، فَهِيَ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ، أَوْ مِنْ ظِلٍّ إلَى شَمْسٍ فَتَخَلَّلَتْ، فَفِي إبَاحَتِهَا قَوْلَانِ ... (ثم ذكر حديث أبي طلحة) ... وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلَوْ كَانَ إلَى اسْتِصْلَاحِهَا سَبِيلٌ، لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهَا، بَلْ أَرْشَدَهُمْ إلَيْهِ، سِيَّمَا وَهِيَ لِأَيْتَامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ خَلُّ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ تَوَلَّى إفْسَادَهَا.

وَلَا بَأْسَ عَلَى مُسْلِمٍ ابْتَاعَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ خَلًّا، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ لِإِفْسَادِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّهْيُ.

رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.

وَهَذَا قَوْلٌ يَشْتَهِرُ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكَرْ.

فَأَمَّا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَتَحِلُّ، فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَوَائِلِ، أَنَّهُمْ اصْطَبَغُوا بِخَلِّ خَمْرٍ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير