تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في مقرٍّ مبارك، لسيد مبارك، بواسطة فعل أمينٍ مبارك، وازداد زمزم بركة على بركته، ولذة على لذته، وشفاءً على شفائه، حين جيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدلْو من زمزم، فشرب منه، وتَمَضْمَض، ثم مجَّ في الدلو، وأمر فأهريق في زمزم؛ رواه الطبراني، وإسناده على شرط مسلم.

والمجُّ:

هو إرسال الماء من الفم مع النفخ، وخذ مثالاً - يرعاك الله - على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((زمزم فإنه طعام الطعم))، ففي "صحيح مسلم" في قصة إسلام أبي ذر جندب بن جنادة - رضي الله عنه - أنه لما قدم مكة يستعلم عن الإسلام، بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرم، بعد هزيع من الليل، قال: فكنت أنا أول مَن حيَّاهُ بتحية الإسلام، فقال: ((وعليك ورحمة من الله، ممن أنت؟)) فقلت: من غفار، قال: ((متى كنت ها هنا؟) قال: كنت هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: ((فمن كان يطعمك؟)) قال: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني - انطوى وتثنى لحم البطن سمنًا - وما أجد على كبدي سخفة جوع - حرقة الجوع وهزاله - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها مبارَكة، إنها طعام طعم) أي: إنها تغني شاربها عن الطعام، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كنا نسميها شبَّاعةً، نعم العون على العيال.

قال ابن القيم - رحمه الله - في "زاد المعاد": "وشاهدت مَن يتغذى به الأيام ذوات العدد، قريبًا من نصف الشهر أو أكثر لا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما يبقى أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مرارًا"، ولا غرو - يا عباد الله - فالنبأ من فم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - وفي زماننا أناس شربوا زمزم بنية الشبع، فحصل لهم ما أرادوا، لكن الأمر يحتاج إلى قوة إيمان، وصدق التِجاء إلى الله والإخلاص له، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - عن زمزم: ((شفاء سقم)): يشمل بعمومه الأسقام الحسيَّة والمعنويَّة، وفي نفس المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ماء زمزم لما شُرب له))؛ رواه ابن ماجه، وأحمد، والبيهقي، وهو حديث حَسَن، وزاد الحاكم مرفوعًا من حديث ابن عباس: ((ماء زمزم لما شُرب له، إن شربته لتستشفي به شفاك الله، وإن شربته ليشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئِك قطعه الله)).

ولما علِم عبدالله بن عباس بهذا الأمر كان إذا شرب من زمزم قال: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاءً من كل داء"، وتواترت الأنباء والأخبار عن أولئك الذين تداووا بزمزم من شتَّى الأمراض بأنواعها، فكانت زمزم علاجًا ناجعًا، كمَن شربه لعمى به فأبصر، أو لفالج فعُوفي، أو لعقدة في لسانه فانحلَّت، وفي زماننا تداوى به ناس من السرطان فشفوا، وأخبار المستشفين بماء زمزم أكثر من أن تُحصَى، ولو أنها سُرِدت لطال المقام، قال الإمام زكريا القزويني: "وماء زمزم صالح لجميع الأمراض المتفاوِتة، قالوا: لو جمع جميع من داواه الأطباء لا يكون شطرًا ممن عافاه الله بشرب ماء زمزم"، ومما يستشهد به على هذا ما رواه البخاري في تاريخه، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها حملت زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأداوي والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم.

ولا يعجلن سامع هذه الأخبار فيحكم باستبعادها وإنكارها وليقوِّي إيمانه بالله، فهذا الاستشفاء موجود وحاصل إلى يوم القيامة، لِمَن صلحت نيته، وسلمتْ طريقته، ولم يكن به مكذبًا، ولم يشربه مجربًا، فإن الله مع المتوكِّلين، وهو يفضح المجربين، ويختص زمزم في أنه نافع للحمى، خافض لحرارته، دافع لشدَّتِه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الحمى من فيح جهنم، فابْرُدوها بماء زمزم))؛ رواه البخاري، واللفظ لأحمد.

أيها المؤمنون:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير