تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما كان زمزم خيرَ ماء على وجه الأرض، خص بأسماءٍ كثيرة، وكثرة الأوصاف والأسماء دليلٌ على عِظَمِ شأن المسمَّى، يدل على ذلك قول الشاعر:

وَاعْلَمْ بِأَنَّ كَثْرَةَ الأَسَامِي دَلاَلَةٌ أَنَّ المُسَمَّى سَامِي

وقد ذكر الزبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس": أنه جمع أسماءها، فجاءت على ما ينيف على ستين اسمًا، مما استخرجها من كُتُب الحديث واللغة، ونظم الأديب البرهان القيراطي - رحمه الله - جُملة من أسماء زمزم؛ فقال:

لِزَمْزَمٍ أَسْمَاءُ مِنْهَا زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَا مَنْ يَسْقَمُ

سُقْيَا نَبِيِّ اللهِ إِسْمَاعِيلاَ مَرْوِيَّةٌ هَزْمَةُ جِبْرَائِيلاَ

مُغْذِيَةٌ عَافِيَةٌ وَكَافِيَهْ سَالِمَةٌ وَعِصْمَةٌ وَصَافِيَهْ

سَيِّدَةٌ وَعَوْنَةٌ قَدْ دُعِيَتْ شَبَّاعَةُ العِيَالِ قِدْمًا سُمِّيَتْ

وذكر أصحاب السير من جملة أسماء سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة أسماء، تعود نسبتها إلى زَمْزم، فهو النبي الزمزمي والمزمزم، فقد غُسِل قلبه الشريف أربع مرات بماء زمزم كما في السِّيَر، فكان قلبُه - صلوات الله وسلامه عليه - خير القلوب وأزكاها، وأتقاها وأنْقاها.

أيها الناس:

قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96]، قال علماء التفسير: ومن الآيات البينات فيه الحجر الأسود، والحطيم، وانفجار ماء زمزم بعقب جبريل - عليه السلام - وأن شربه شفاء للأسقام، وغذاء للأجسام؛ بحيث يغني عن الماء والطعام، وأيضًا فزمزم أولى الثمرات التي أعطاها الله إبراهيم الخليل حين دعا بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 126]، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم))؛ رواه الطبراني، وابن حبان، كيف لا يكون خير ماء وقد نبع في مقرٍّ مبارك، لسيد مبارك، بواسطة فعل أمينٍ مبارك، وازداد زمزم بركة على بركته، ولذة على لذته، وشفاءً على شفائه، حين جيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدلْو من زمزم، فشرب منه، وتَمَضْمَض، ثم مجَّ في الدلو، وأمر فأهريق في زمزم؛ رواه الطبراني، وإسناده على شرط مسلم.

والمجُّ:

هو إرسال الماء من الفم مع النفخ، وخذ مثالاً - يرعاك الله - على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((زمزم فإنه طعام الطعم))، ففي "صحيح مسلم" في قصة إسلام أبي ذر جندب بن جنادة - رضي الله عنه - أنه لما قدم مكة يستعلم عن الإسلام، بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرم، بعد هزيع من الليل، قال: فكنت أنا أول مَن حيَّاهُ بتحية الإسلام، فقال: ((وعليك ورحمة من الله، ممن أنت؟)) فقلت: من غفار، قال: ((متى كنت ها هنا؟) قال: كنت هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: ((فمن كان يطعمك؟)) قال: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني - انطوى وتثنى لحم البطن سمنًا - وما أجد على كبدي سخفة جوع - حرقة الجوع وهزاله - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها مبارَكة، إنها طعام طعم) أي: إنها تغني شاربها عن الطعام، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كنا نسميها شبَّاعةً، نعم العون على العيال.

قال ابن القيم - رحمه الله - في "زاد المعاد": "وشاهدت مَن يتغذى به الأيام ذوات العدد، قريبًا من نصف الشهر أو أكثر لا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما يبقى أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مرارًا"، ولا غرو - يا عباد الله - فالنبأ من فم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - وفي زماننا أناس شربوا زمزم بنية الشبع، فحصل لهم ما أرادوا، لكن الأمر يحتاج إلى قوة إيمان، وصدق التِجاء إلى الله والإخلاص له، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - عن زمزم: ((شفاء سقم)): يشمل بعمومه الأسقام الحسيَّة والمعنويَّة، وفي نفس المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ماء زمزم لما شُرب له))؛ رواه ابن ماجه، وأحمد، والبيهقي، وهو حديث حَسَن، وزاد الحاكم مرفوعًا من حديث ابن عباس: ((ماء زمزم لما شُرب له، إن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير