"ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلما فقد أنكر على أسامة ابن زيد قتله لمن قال لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف واشتد نكيره عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة بل قد روي أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا أن لا يزكوا ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا صدقة عليهم ولاجهاد وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سيتصدقون ويجاهدون وفيه أيضا عن نصر بن أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين فقبل منه وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال يصح الإسلام على الشرط الفاسد ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها واستدل أيضا بأن حكيم بن حزام قال بايعت النبي صلى الله عليه و سلم على أن لا آخر إلا قائما قال أحمد معناه أن يسجد من غير ركوع وخرج محمد بن نصر المروزي بإسناد ضعيف جدا عن أنس رضي الله عنه قال لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يقبل من أجابه إلى الإسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانتا فريضتين على من أقر بمحمد صلى الله عليه و سلم وبالإسلام وذلك قول الله عز و جل فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة المجادلة وهذا لا يثبت وعلى تقدير ثبوته فالمراد منه أنه لم يكن يقر أحدا دخل في الإسلام على ترك الصلاة والزكاة وهذا حق فإنه صلى الله عليه و سلم أمر معاذا لما بعثه إلى اليمن أن يدعوهم أولا إلى الشهادتين وقال إن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم بالصلاة ثم بالزكاة ومراده أن من صار مسلما بدخوله في الإسلام أمر بعد ذلك بإقام الصلاة ثم بإيتاء الزكاة وكان من سأله عن الإسلام يذكر له مع الشهادتين بقية أركان الإسلام كما قال جبريل عليه الصلاة و السلام لما سأله عن الإسلام وكما قال للأعرابي الذي جاءه ثائر الرأس يسأله عن الإسلام وبهذا الذي قررناه يظهر الجمع بين ألفاظ أحاديث هذا الباب ويتبين أن كلها حق فإن كلمتي الشهادتين بمجردهما تعصم من أتى بهما ويصير بذلك مسلما"
ـ[عبدالرحمن المقري]ــــــــ[29 - 12 - 08, 09:01 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في كل المشايخ والإخوة المشاركين.
أودُّ أن أشير إلى أنَّني كنتُ قد طالعتُ كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه في هذه المسألة، وتعقُّب الشَّيخ الألباني رحمه الله تعالى له، غير أنِّني لا أذكر مضانَّه، فالمرجو من مشايخنا الأفاضل أن يتكرَّموا علينا بنقل كلامهما في هذه المسألة، وكذا إثراء هذا البحث بالنُّقول والآثار، وبارك الله فيكم.
ـ[عبدالرحمن المقري]ــــــــ[29 - 12 - 08, 09:11 م]ـ
كلام الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى من (نيل الأوطار)
باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد
1 - عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه "
- رواه أحمد
وفي لفظ آخر له " على أن لا يصلي إلا صلاة فقبل منه "
2 - وعن وهب قال " سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت فقال أشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون "
- رواه أبو داود
3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أسلم قال أجدني كارها قال أسلم وإن كنت كارها "
- رواه أحمد
- هذه الأحاديث فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا وأنه يصح إسلام من كان كارها
وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث وهب المذكور وهو وهب بن منبه وإسناده لا بأس به وأخرج أبو داود أيضا من حديث الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فأشترطوا عليه أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع
قال المنذري قد قيل أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص والمراد بالحشر جمعهم إلى الجهاد والنفير إليه وبقوله يعشروا أخذ العشور من أموالهم صدقة وبقوله و لا يجب بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة وأصل التجبية أن يقوم الإنسان مقام الراكع وأردوا أنهم لا يصلون
قال الخطابي ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبتين في العاجل لأن الصدقة إنما تجب بإنقطاع الحول والجهاد إنما يجب بحضوره وأما الصلاة فهي راتبة فلم يجري أن يشترطوا تركها انتهى. ويعكر على ذلك حديث نصر بن عاصم المذكور في الباب فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل من الرجل أن يصلي صلاتين فقط أو صلاة واحدة على أختلاف الرايتين ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه " لا خير في دين ليس فيه ركوع " فإن ظاهره يدل على أنه لاخير في إسلام من أسلم بشرط أن لا يصلي ويمكن أن يقال أن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول من أسلم بشرط أن لا يصلي وعدم قبوله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقا"