ثانياً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً. فيبتعد عن الإطالة لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: " نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم. وقد ظهر لنا من الأحاديث السابقة أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم كان جُملاً قليلة. والسعيد من وفق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: الاقتصار في الدعاء على النازلة. فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يظهر من الأدلة السابقة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر الدعاء نفسه في قنوته حينما قنت شهراً، وربما كان بينها اختلاف يسير.
رابعاً: القنوت مشروع عند وجود سببه (وهو النازلة بالمسلمين) فإذا زال السبب ترك القنوت. أما قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً فليس مقصوداً منه التحديد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ فَقُلْتُ أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ قَالَ فَقِيلَ وَمَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا (2) ". أخرجه مسلم.
قال ابن القيم: " إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم و جاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت ". (زاد المعاد 1/ 272).
خامساً: قنوت النوازل ليس له صيغة معينة، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة.
أما الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " اللهم اهدنا فيمن هديت .. الخ " فإنما هو في قنوت الوتر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب القوم المحاربين ". (مجموع الفتاوى 21/ 155).
وقال أيضاً: " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً ". (مجموع الفتاوى 22/ 271).
و قال أيضاً: " عمر رضي الله عنه قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه صلى الله عليه وسلم دعا بدعاء يناسب مقصوده. فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وثانياً، وكما دعا عمر رضي الله عنه لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده " (مجموع الفتاوى 23/ 109).
ومن دعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يناسب نازلة المسلمين كأن يقول في مثل مصابنا هذه الأيام: (اللهم أنج إخواننا المسلمين في كوسوفا، اللهم انصرهم، اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى ومن شايعهم وأعانهم، اللهم العنهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فقد أحسن؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأجمع ما يدعى به
¥