كم نادت الشعوب،كم نادى أصحاب الإيمان أغيثوا إخوانكم في غزة، قاتلوا أين اسلحتكم؟ أين جيوشكم؟ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا عن أخوانكم، أما ترون الدماء والأشلاء،أما ترون البيوت تُدمّر على من فيها،فعائلات تُباد كاملة،أما ترون بيوت الله تهدم،دافعوا عن دينكم وعن بلاد المسلمين،قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم بماذا وصفهم القرآن: ?هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ? [آل عمران:167]
واسمعوا وتأملوا قول الله تعالى بعد هذه الآية: ?الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ? [آل عمران:168]
كم سمعنا من أبناء جلدتنا من يقول قد نبهنا حماس وحذرناها ولم تسمعنا،لو أطاعونا ما قُتلوا،ونسي هؤلاء المنافقين أن الموت والحياة بيد ملك الملوك جل وعلا.
ثم يأتي قوله تعالى الفصل:
?وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ?ر،اللهم إنا نسألك أن تنصر أُخواننا على أرض غزة اللهم ثبت أقدامهم وأنصرهم نصراً مؤزرا وافتح لهم فتحاً مُبينا واجعل اليهود وما يملكون غنيمة للإسلام والمسلمون.
أيها المسلمون:إعلموا أن الأمة منصورة،ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة،يقول جل وعلا:? إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ? [غافر:51] ويقول تعالى: ?كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ?
إن وعد الله قاطع جازم بينما يشاهد الناس أن الرسل وأتباعهم منهم من يقتل ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذباً مطروداً، وأن المؤمنين فيهم من يسام العذاب، وفيهم من يلقى في الأخدود، وفيهم من يستشهد، وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد. . فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟ ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل، ويفعل بها الأفاعيل!
ولكن الناس يقيسون بظواهر الأمور. ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير.
فلو نظرنا إلى قضية الاعتقاد والإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك. وانتصار قضية الاعتقاد هو انتصار أصحابها. والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم، قريبة الرؤية لأعينهم. ولكن صور النصر شتى.
إبراهيم عليه السلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوة إليها. . أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة؟
ما من شك في منطق العقيدة أنه كان في قمة النصر وهو يلقى في النار. كما أنه انتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار. هذه صورة وتلك صورة. وهما في الظاهر بعيد من بعيد. فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب!.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في قمة النصر وهو يكرر بل عزة: ? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ? [الكافرون1،2] ولو أنه كان وحيدا بلا نصير ويضع عليه سلى الجزور.
عباد الله:
قد يبطئ النصر في عالم الواقع لأسباب كثيرة منها:أن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
¥