تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن حكمة الله تعالى في الابتلاء بالمصائب أن يظهر الصبر، وهذا الصبر عاقبته جميلة، الرضا واليقين، عاقبته جميلة ولا تأتي هذه العاقبة الجميلة إلا إذا حصل مقتضاها، الصبر واليقين والرضا، وهذا ما تلمسه في أهالي بعض القتلى، وهم يقرؤون الآيات، ولقد تليت الآيات على الشاشات، وجاءت بها الأخبار من أناسٍ في غزة، يقرؤون قول الله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (156، 157) سورة البقرة، هذا الأجر العظيم لا يأتي إلا إذا حصل ما يؤدي إليه، وكيف يحصل الرضا واليقين والصبر إذا لم تكن هنالك مصائب تقابل بها المصيبة، بهذا يحصل الأجر والثواب، الدنيا دار ابتلاء ذاهبة زائلة، الدنيا زائلة، فمن الذي يختم له بخير، ومن الذي تكون أعماله فيها خير، وهذه أمة مرحومة عذابها في دنياها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أمتي هذه أمةٌ مرحومة، قال عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل)) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.

هذا تكفير، هذا تطهير، هذه رفعة، سيقولون دمرت غزة، نقول ولكن ما يحصل من الرفعة والتطهير والأجر عند الله لا يقاومه هذا الدمار، الدمار أقل بكثير، الأجر أعظم بكثير، ولهذا فإن الابتلاءات مكفرة للذنوب، ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله)) الحديث يقول: ((حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وهكذا رأينا إخواننا في غزة قد اجتمع عليهم البلاء بأنواعه ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده)) فهكذا دمرت بيوتهم وذهبت أموالهم، وأثاث بيوتهم يا عباد الله هم يجمعون ما تبقى من الأثاث الآن، والإطارات الخشبية، وما تبقى من الأبواب بعد القصف ليستدفئوا عليه الآن في برد الشتاء، فما تبقى من البيوت صار حطباً يوقدونه ليحصلوا على شعلةٍ يستدفئون بها ويصطلون من برد الشتاء.

هذا الابتلاء يحرك الله به أمة نائمة مخدرة، قد تلاعبت بها الدنيا، فراح كثيرون منها في أوديتها، سيراً وراء الكفار، وإعجاباً بهم، وتقليداً لهم، وشاء الله توقيت هذه المذبحة مع احتفالات ما يسمى برأس السنة الميلادية، لتحدث هذه المفارقة الضخمة، أناسٌ يحتفلون وأنوار وشموع، وزينة في السماء من هذه الألعاب النارية، وهذا الخمر والسكر والرقص والعهر والفجور، وشاشات قنوات لا ترجو الله ولا اليوم الآخر، ماذا يوجد فيها؟ ماذا كان موقفهم من هذه المصيبة؟ كيف كانوا ينصرون إخوانهم؟!

العالم تحت تأثير موسيقى هادئة ناعمة ناعسة على بساط ريح من ضباب لندن إلى ثلوج سويسرا إلى أشجار الميلاد في باريس، ومن شموخ تمثال الحرية في نيويورك إلى مهرجانات السامبا ودفئ سدني لا يقطع متعة استرخاءك، هذا الموجود في مناصرة غزة، هذا هو الذي عرفتموه، ألعاب ومباريات وأمة ذاهبة، ذاهبة أين ذاهبة؟ في عالم من الضياع والمتعة، واللذة، والفرجة، والسخرية، والمسخرة، وأيضاً دنيا تغر، لهو في لهو في عالم آخر، في أودية أخرى، ومنهم على استحياء ألغى شيئاً من احتفالات ما يسمى بأعياد الميلاد، الذي يحتفل به النصارى لميلاد ابن الله في زعمهم، هذا الكفر العظيم، احتفال بالكفر العظيم، ومنهم من خفف من هذا الاحتفال، ومنهم بكل وقاحة من أكمل برنامجه دون أي تغيير؛ لأن القضية لا تهمه الآن، لكن الله بالمرصاد، الله بالمرصاد.

{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني هي الحياة الحقيقية {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (64) سورة العنكبوت، والله عز وجل يكشف هؤلاء أهل اللهو ماذا سيفعلون أمام قضية هذه المأساة في غزة، فانكشفت أوراق كثيرة، وشخصيات، ومواقف، وألاعيب، ليس فقط على المستوى الفردي ولا العربي، وإنما على مستوى العالم أيضاً، فتعطل قرارات إدانة مجرد إدانة في مجلس الخوف، وليست القضية عندهم كجورجيا لما صارت المسألة من إخوانهم في الدين، سارعوا وهرولوا وقاموا بعدتهم وعتادهم ينصرونهم، لكن أهل الإسلام لا بواكي لهم عندهم، ولذلك حق للمسلم أن يكفر بالشرعية الدولية، وأن يكفر بهيئة الأمم، هذه التي وضعوا أنظمتها هم، يحلون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون، وينصرون من شاءوا، ويخذلون من شاءوا، ويدينون من شاءوا،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير