في الأصل كان الطالب المحضري يأتي بوسيلة عيشه من داره، إذا كان بدويا يأتي بالحلايب [النوق والنعاج الحلوب]، ويرعاها هو نفسه، وتكون رعايتها دولة بين طلبة العلم، اليوم لفلان واليوم لفلان، ومن كان من ناحية الحضر أو القرى يأتي بنفقته، بزاده معدا مجففا، يأتي بـ (كسكسي) مجفف، ومن لم يكن له شيء فأمره إلى شيخ المحضرة يعينه عليه، الحلة أو الحواء الذي هو فيه، وهذا نسميه المؤبد، عندنا نوعان من الضيوف ضيف زائر يرحل، وضيف مؤبد يعني باقي، هذا النوع من طلبة العلم ليس لهم ..
محمد كريشان:
مؤبد كالحكم أو كالسجن يعني.
محمد سالم:
هو حكم مؤبد، هو يبقى ضيفا، والحلة تتعاون على إيوائه وإعاشته، والآن أصبح هذا النوع المجيء بالزاد و (الحلايب) أصبح مختفيا الآن، وإنما شيخ المحضرة في الغالب هو الذي ينفق عليهم يساعده ويأخذه لبيته خاصة، ثم من تربطه به رابطة قرابة أو جوار، وبعض المحسنين الذين يرغبون في الخير يساعدون، ولكن الشيخ لا يطلب منهم مساعدة، لأنه لا يريد إلا أن يكون تعليمه ونفقته لوجه الله -سبحانه وتعالى-، لا يريد من الآخرين عونا، ولا يريد من طلبة العلم جزاء ولا شكورا.
محمد كريشان:
يعني مثلا الذين يأتون من أوروبا على سبيل المثال، إذن تبدؤون معهم منذ البداية، يعني تعلم اللغة العربية، وكأنهم في الروضة.
الشيخ محمد سالم:
نعم طبعا، يتعلمون في الروضة، وأنا لم أتعلم اللغات الأجنبية، ولا أعرفها، لكن بحكم العمل أفهم قليلا من اللغة الفرنسية، فإذا كانوا هم من فرنسا أستعين ببعض الكلمات الفنية الفرنسية، وهم يرتاحون لذلك، وإذا أردت أن أعلمهم قاعدة نحوية، قاعدة الفاعل والمفعول، ومتعلقات الفعل، الفعل المتعدي أو اللازم، أقول هذا Verb Le وهذا الفاعل نسميه باللغة الفرنسية Le sujet، وهذا المفعول اللي نسميه Le Complement، وهذا الذي كان يتعدى إليه الفعل مباشرة دون واسطة حرف كل هذا يقابل في اللغة الفرنسية كذا، وهذا الذي يتعدى إليه الفعل بواسطة حرف نسميه كذا، وهكذا يفهمون بسرعة.
محمد كريشان:
في بداية الحوار أشرت إلى المحاضر، ومشاركة الأولاد .. هل هناك محاضر للأولاد، ومحاضر للبنات؟
الشيخ محمد سالم:
غالبا المحضرة إذا كانت في البيوت لأهل البيوت يشترك فيها الأولاد والبنات، لأنهن في حضانة آبائهن وأمهاتهن، أما إذا تطلب الحال الانتقال من الوضع الأصلي فإن المحضرة في الغالب إنما هي للذكور.
محمد كريشان:
عفوا يعني إذا كانت المحضرة في مكان الإقامة يذهب إليها الأولاد والبنات .. إذن هو تعليم مختلط؟
الشيخ محمد سالم:
مختلط، لكن الأولاد في الغالب يدرسون بالنهار، والبنات يدرسن في الليل.
محمد كريشان:
لا يدرسون مع بعض؟
الشيخ محمد سالم:
وجها لوجه .. لا، إنما يكون بينهم بين الجميع ستار، يجلس البنات خلف الستار مع زوجة المعلم وبناته، ويجلس الأولاد مع أولاده ومع الشيخ نفسه، والجميع يدرس، أو يكون هناك وقت مخصص لدراسة البنات ويكون يالليل، وهذه سنة الدرس، القاضي والمفتي والمدرس مأمور بأن يخصص يوما أو وقتا للنساء، وهذا منصوص عليه في (المختصر) لخليل بن إسحاق في باب القضاء.
محمد كريشان:
سيد محمد، يعني ربما هذا النوع من التعليم -للذي لا يعرف موريتانيا أو لا يعرف المنطقة عن قرب- ربما يفهم هذا النوع من التعليم بفترات تاريخية قديمة، وبهذا الشكل البسيط، الآن ربما أصبحت هناك مدارس عصرية وبنايات ثابتة، ومناهج حكومية في التعليم تدرس، هل هذا أثر على المحاضر؟ هل ما زال الموريتاني يفضل أن يذهب ابنه أو ابنته إلى المحاضر عوض المدرسة الحكومية؟ هل أصبح هناك تنافس بين المدرستين؟
الشيخ محمد سالم:
أصبح هناك تنافس، هناك الناس الذين يريدون أن يعلموا أولادهم في المدارس النظامية ليؤمنوا لهم شهادات تخولهم للتوظف، وتأمين مستقبلهم من ناحية العيش، وهناك الناس الذين يريدون العلم للعلم، فيفضلون المحاضر، لأن المحاضر فيها علم وعمل وحفظ واستعداد ذهني وفطري وصفاء ذهني، لأنها في الجو، في الهواء الطلق، ويصعب على الإنسان الذي هو في الحضر وبين الجدران في المدرسة النظامية وينتظر حصة معينة بين يدي أستاذ معين يصعب عليه أن يستوعبها ويحفظها، أما التلميذ أو طالب العلم الذي يأخذه في الهواء الطلق وعلى حريته وهو الذي يعين باختياره المتن الذي
¥