يتجاذب مع ضيوفه الذين منهم الغني والفقير وذا الحاجة أحاديثه الماتعة التي تدخل الأنس والسرور ويذكرهم بآداب العرب وأخلاق الماضين , يضحك ويفتح القلوب , ولا يستعلي على الناس , ربما كنت أنا موجوداً فإذا انتهى الناس وقام من الطعام دعاني للجلوس في مكتبه حيث الكتب أيضاً تحيط الجدران الأربعة , حيث تاريخ جدة وعبقها موزع على الأرفف , يطل مكتبه على السوق القديم وعلى بوابة جامع المعمار , يسمع صخب الناس وحركة البيع الشراء , مكتبه غاية في الأناقة والبعد عن الترف لكنه من الخشب الجميل الذي سبب الكارثة له.
في مكتبه ترى سجادة أنيقة للصلاة وكان العامل يخبرني أنها لصلاة الليل , ومكاناً مرتفعاً عن الأرض قليلاً فوقه بعض الفرش ينام عليها في الضحى أحياناً , وربما جلس عليها الضيوف إذا كثروا.
لطالما دخلت معه في قضايا تاريخية , وبالذات عن جدة وحضارتها ومساجدها وأعلامها , وأحيانا أطلب منه الحديث عن بعض من لقيهم أيام جده الشيخ محمد , ربما سحب منك البساط ويسألك أنت عن مسائل تدل على تواضعه ولطفه , فهو لم ينصب نفسه مفتياً , ولا يجيز لنفسه الحديث في كل شيء , ولا يستفرد بالكلام بل يسمع حتى تظن أنك أنت صاحب الدار وهو الضيف.
لا تمل من مجالسته وأذكر أنني قد زرته ذات مره صباحاً مع الشيخ عبد الرحمن بن عمر الفقيه المشرف على موقع ملتقى أهل الحديث , فلما علم أنه غامدي أفاض نصيف في الحديث عن مدينة بلجرشي وزياراته المتكررة للمنطقة الجنوبية , حتى أذهل الحاضرين الأربعة بحسن معرفته للمواقع والجبال , وجودة نظره ومعرفته , فهو يتحدث ويعرف البلد ربما أكثر من بعض أبنائها الذين تركوها أو هجروا الحديث عنها , يتحدث عن الشرق والغرب من دول العالم , كعادة الناس يذكر مدنها وأشجارها , لكنه يذكر مع ذلك حياة القلوب فيذكر الجمعيات الخيرية والعلماء الذين قابلهم فحبه وعشقه نفع الناس.
وربما سمعته يتحدث عن الأعشاب , والعلاج بالأشياء الطبيعية فيخيل إليك أنه طبيب متخصص , وترى كتب الأعشاب بين يديه , فهو شغوف بطبع بعضها وتوزيعها , ويناقشك بكل حماس عن فوائدها , وحجم الضرر الذي أصاب الناس من هذه المركبات الكيميائية , يتكلم عن العنب وفوائده للجسم , ويبهرك بتجاربه في ذلك , ويهديك كتباً طبعها على نفقته , وربما رأيت بعض الحاضرين ممن استفاد من تجاربه فتغيرت حياته الصحية.
تفاجأ أنه بعد ذلك أنه يجيد أكثر من لغة , ولسانه طلق بها , ويبتسم دائماً إذا شعر أنك لا تعرف ما يقول , فيخفف عنك ويقص عليك أسباب إتقانه لهذه اللغات.
له عناية بعلماء العقيدة السلفية , تراه في المجلس ينتقد التصوف في الحجاز , يعرفك بأخبار أهل السنة الذين أدركهم أيام جده وبعده , وحق له ذلك فجده هو أشهر رجل سلفي في عصره , لكنه لا يجرح أحداً ولا يبالغ في الذم إلا إذا كان له مستند وبرهان بأدب جم وتواضع جميل , يعرف كيف ينزل الناس منازلهم , بدون أن يسمح لأحد أن يفسد عقيدة الجالسين أو ينطق بهرطقات المهووسين من المتصوفة وغيرهم.
كتبي ولكنه سلفي أيضاً حتى النخاع , ولعل هذا هو السبب والله أعلم في عزوف الصحافة المحلية الحجازية في الكتابة عنه , فليس صاحب مجالس سمر وعبث , و ليس يحضر مجلسه أرباب الحداثة والعلمنة , وليس من أرباب الطرق الذين تسعى الصحافة لتلميعهم , ولقد احترقت مكتبة أحد المتصوفة قبل بضعة أعوام في مكة فأقامت الصحافة البكاء والعويل عليها , واتهم هو أطرافاً خارجية بحرقها , ثم ظهرت حقيقة الرجل وكذبه الدفاع المدني في دعواه ولم يبق له إلا الخسارة.
أسال الله أن يعوض الشيخ عبد الرحمن خيراً , أن يخلفه خيراً مما ذهب وأن يجزيه على ما قدم للعلم وأهله , وسيبقى بحق ذكرى لن تزول لطلبة العلم الذين مكنهم من مكتبته ووقته بدون أن يجد غضاضة , أو اشمئزازا من بعضهم , أو يجعلهم يحسون بالذل أمام أبواب المكتبات الخاصة.
سيبقى هو ومسجد المعمار وسوق العلوي تذكاراً للمتواضعين أصحاب الخلق الرفيع , وستبقى جدة منارة لكل طالب علم بإذن الله.
وكتبه: خضر بن صالح بن سند.
جدة 22/ 1/1430
ـ[أم ديالى]ــــــــ[19 - 01 - 09, 04:32 م]ـ
انا لله وانا اليه راجعون
أسال الله أن يعوض الشيخ عبد الرحمن خيراً , أن يخلفه خيراً مما ذهب وأن يجزيه على ما قدم للعلم وأهله
ـ[أم سفيان]ــــــــ[19 - 01 - 09, 04:38 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[خضر بن سند]ــــــــ[19 - 01 - 09, 04:55 م]ـ
وهذه بعض الصور
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[19 - 01 - 09, 05:28 م]ـ
الله المستعان
نسأل الله أن يعوضه ويبدله خيرا منها
شيء مؤسف
وعائلة نصيف من العائلات المشهورة في مدينة جدة خاصة في المجال الدعوي
ومنهم فاطمة عمر نصيف الداعية المعروفة في مدينة جدة حفيدة الشيخ محمد نصيف وقد تلقت العلم الشرعي على يد والداتها رحمها الله فقد كانت والداتها إبنة الشيخ العلامة والداعية الإسلامي المعروف (شرف الدين كتبي) الذي أسس أول مطبعة للكتب الإسلامية باللغة العربية في مدينة بومباي بالهند، فكانت والداتها أول من بدأت الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لنساء جدة، ثم قامت بتأسيس أول مدرسة للبنات في المملكة العربية السعودية بإذن من صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله، تحت إشراف الشيخ محمد نصيف، كما أسست أيضًا جمعية للقرآن الكريم.
مكتبة الشيخ محمد نصيف
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B4% D9%8A%D8%AE_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D9%86%D8%B5% D9%8A%D9%81
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=62722&stc=1&d=1232374359
¥