هذا صحيح، وهناك مغريات ومغويات، وهناك الذين يرغبون في الدنيا أكثر مما يرغبون في الآخرة، هناك الذين لا تمكنهم حتى فطرهم لمتابعة هذا النوع من التعليم المحضري. ولكن هناك مجموعات صالحة طيبة الآن تجد في المحضرة أبناء شرق البلاد وغربها يدرسون جنبا لجنب مع أبناء الولايات المتحدة الأمريكية، وأبناء أوروبا، وأبناء شبه القارة الهندية، اليوم لو اتسع الوقت كي أزيرك إلى المحضرة التي أشرف عليها والتي يشرف عليها آل بيتي لأريتك وجوه طلبة من مختلف الجنسيات ومختلف القارات.
محمد كريشان:
ومن مختلف الألوان أيضا؟
الشيخ محمد سالم:
ومن مختلف الألوان طبعا .. أنا أقول لهم دائما: هذه تمثل الأخوة الإسلامية في أرقى صورها، هذا السنغالي، هذا الغيني، هذا المالي .. يدرس جنبا إلى جنب مع المغربي، الجزائري، التونسي، حتى المصري، حتى المصريون يأتون إلى هنا للدراسة والليبي حتى الليبي، وأما الهنود المسلمون من الهنود ومن باكستان ومن كشمير ومن مختلف الأقطار الغربية، الولايات المتحدة الأمريكية، وكما قلت سابقا، من فرنسا، من بريطانيا، من إيطاليا، كله موجود.
محمد كريشان:
يعني كم معدل إقامة هؤلاء عندما يأتي؟ هل يأتي لسنة لسنتين أم لكل واحد .. ؟
الشيخ محمد سالم:
يختلف بحسب ذوقه وحاجته، اللي عنده المتون يقررها بنفسه، يبقى حتى يستوعبها، واللي تنتهي صلاحية جوازه يحتاج إلى أن يعود إلى بلده ليجدد ويعود، واللي تشغله ظروف بلده الخاصة عن العودة هذا يختلف ...
محمد كريشان:
هؤلاء عندما يعودون هل يسعون مثلا إلى ابتكار هذا النوع من التعليم؟
الشيخ محمد سالم:
بطبيعة الحال، يذهبون إلى قومهم هم أنفسهم لينشروا هذا النوع من العلم وهذا النمط من التعلم، وتعليمه في بلادهم، لأنهم يريدون لبلادهم أن تبقى مسلمة وألا تجف منابع الخير فيها.
محمد كريشان:
حسب معلوماتك، هل يوفقون في أغلب الحالات على استنساخ -إذا صح التعبير- نوع هذه التجربة الموريتانية في دول إسلامية أخرى؟
الشيخ محمد سالم:
هذا ما أتمنى أن يكون، ولكن لا يمكن أن تكون لي معلومات دقيقة ومحددة حتى أجيبك جوابا دقيقا ومحددا.
محمد كريشان:
نعم، موضوع التمويل أشرنا إليه قبل قليل، ولكن هل هناك صعوبات الآن مع صعوبة الوضع الاقتصادي وصعوبة متطلبات الحياة العصرية أن تجد دائما من هو مستعد لاستضافة عدد من الناس والإنفاق عليهم، وبعضهم ضيوف من الضيوف المؤبدين؟
الشيخ محمد سالم:
بطبيعة الحال هؤلاء الناس كما نقول نحن إذا نزل ضيف نزل برزقه، يأتون إلى شيخ محدود الإمكانيات محدود ذات اليد ولكن تنزل البركة، تنزل البركة ولا تعدم محسنا يساعدك، وأكثر الشيوخ يرفضون المساعدات الخارجية المشبوهة، وأكثرهم لا يتعرضوا لها أصلا ..
محمد كريشان:
مثلا .. ما هي نوعية هذه المساعدات المشبوهة؟
الشيخ محمد سالم:
المساعدات المشبوهة التي ربما تكون جاية من جهات خيرية غير إسلامية، ومن جهات خيرية إسلامية تتعامل مع جهات خيرية غير إسلامية، هذا هو على ما أظن، نحن كنا في ذات مرة وقع وباء الكوليرا في البلاد فالناس أصبحوا يلجؤون إلى الهلال الأحمر، والهلال الأحمر الموريتاني له تعاون مع معظم المؤسسات الأخرى، أنا قلت في ذلك:
كنا إذا نزل الوباء بأرضنا
فزع الشيوخ وإلى الدعاء فيصرف
واليوم يفزع للهلال وبعده
يأتي الصليب وثم ما لا يعرف
هذه الخلفيات المظلمة شيوخ المحاضر يرفضون التعامل معها.
(تقرير مسجل):
شكلت المحضرة حصن دفاع عن قيم الشعب الموريتاني وكرامته وتقاليده في مواجهة الاستعمار الذي اصطدم بمقاومة شعبية قادها علماء البلاد ومشائخها.
محمد كريشان:
هل هذه المهنة، مهنة التدريس في المحاضر، هل يتم توارثها أب عن جد؟
الشيخ محمد سالم:
كثيرا ما تتوارث، وقد يكون الإنسان من غير بيت علم ويكون عصاميا، ويصبح صاحب محضرة، ولهذا يقول الشاعر:
كم من حسيب أخي عي وطمطمة
فادم لدي القول معروف إذا نسبا
من بيت مكرمة آباؤهم نجب
كانوا رؤوسا وأصبح بعدهم ذنبا
وخامل مقرف الآباء ذي أدب
نال المعالي به والمال والحسب
وجد بعض الشباب الذين معكم الآن في هذه القاعة يحض ولد أخيه على مواصلة دربه في العلم وعلى حفظ مكتبته الثمينة فيقول:
إذا الفتى مات عن علم وعن كتب
وكان ذا ولد فليحفظ الكتب
إن ضاعت الكتب فالإنساب تتبعها
فليس لها ولد وليس لها أب
والابن إن حاز ما قد كان حائزه
من المعالي يبوء قد حقق النسب
محمد كريشان:
هل المدرسون في المحاضر لديهم بعض الوجاهة الاجتماعية؟ هل هم ينظر إليهم في المجتمع الموريتاني نظرة فيها الكثير من التبجيل والاحترام؟ وبالتالي هل يلعبون ربما دورا اجتماعيا أو سياسيا يتجاوز هذه المحافل التعليمية الصرفة؟
الشيخ محمد سالم:
هذا يرجع إلى سلوكهم .. الذي يصون نفسه يصبح محل إجلال وتقدير في المجتمع، يصبح إذا الناس اشتدت بهم الفتن والنوائب .. ويصبح محل ثقة من الدولة ومن موظفيها السامين ومن الولاة والحكام وغيرهم، والذي يمتهن نفسه يذل نفسه، وهذا كما قال الشاعر:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكنه أهانوه فهان وجههمو
محياه بالأطماع حتى تجهما
محمد كريشان:
سيد محمد سالم شكرا جزيلا.
الشيخ محمد سالم:
العفو
وهذا هو الرابط
http://www.aljazeera.net/programs/guest_issue/articles/2000/12/12-12-3.htm
¥