تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي للاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا وعفافا ولم أعثر منها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها

فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده يأتيه رزقه يوما ويوما لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأنها ولدت منه عدة أولاد وجاء الأقطع ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه كسرة ... وقال أبو العباس والأقطع هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين قد أثر على أهل الثغور والح على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية ويحقنوا دماء المسلمين فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية

فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد طاهر بن إبراهيم بن مدرك ويعقوب بن منصور بن طلحة وميكال مولى طاهر وهارون القباض وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى

ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل فينطم ما بين الشاطئين وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر ... قالت المرأة فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان

قالت المرأة ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى ... قالت المرأة وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجت الناحية بالبكاء

قالت ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع علية ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير