قالت فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني
قالت فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة قلت أطلب زوجي فقال خذي ذات اليمين قالت فأخذت ذات اليمين فرفع لي أرض سهلة طيبة الري ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز قالت وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلته فلما استقر في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا فانتبهت من نومي شبعى ريا لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا يأكله الناس
قال أبو العباس وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء فقالت لا
فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان
قلت والحيض و أظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم
قلت فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا قلت إني لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن استقصي قالت لا أحتاج
قلت فتنامين قالت نعم أطيب نوم
قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون
قلت فتجدين لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام
وكانت تقبل الصدقة فقلت لها ما تصنعين بها قالت أكتسي وأكسو ولدي
قلت فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر قالت نعم
قلت فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت نعم ألست من البشر
قلت فتتوضئين للصلاة قالت نعم قلت لم قالت أمرني بذلك الفقهاء فقلت إنهم أفتوها على حديث لا وضوء إلا من حدث أو نوم!! وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت
ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث فتحضرني فأعيد مسألتها فلا تزيد ولا تنقص وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه فقال أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط!!) انتهى ...
قلتُ: وهذه قصة صحيحة ليس فيه خدشة!! اللهم إلا أن تكون تلك المرأة من الدجاجلة الذين يحتالون لترويج بهرجهم!! ويتلوَّنون لنشر عقاربهم!! والأصل في المسلمين خلاف هذا الظن الكاذب!! لا سيما وقد أثنى عليها غير واحد من أُمناء مدينتها، كما سبق في أول حكايتها ...
ثم ما جرى لها: قد جرى لغيرها كما يأتيك نبأه الآن!! وكرامات الأولياء والصالحين، من المؤمنات والمؤمنين، فيها أعظم من حكاية تلك المرأة ومثيلاتها!! بل وأجلَّ من ذلك وأكثر خطرا!! كما سوف نأتيك بجُمَلِها تباعا بعون الله وتوفيقه ....
¥