ـ[الدسوقي]ــــــــ[06 - 02 - 09, 06:01 م]ـ
الإيداع في البنك الربوي لغرض حفظ المال حرام ولو بدون فائدة
لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2)
ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
" لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ". أخرجه مسلم (5/ 50).
ولأن أماكن حفظ المال الحلال كثيرة بحمد الله تعالى.
فتوى
س: كانت لي فلوس في بنك ربوي أخرجتها ووضعتها في بنك إسلامي أصل هذا البنك ربوي (بنك مصر) فهل علي وزر؟ وإذا كنت لا أملك مكانا أضع فيه الفلوس أو أخاف من أن أصرفها فهل هذه ضرورة تبيح لي هذا المحذور؟ ولو وجدت آراء للعلماء في هذا الموضوع أرجو توضيح الآراء.
ج: الحمد لله
أولا:
لا حرج في وضع المال في البنك الإسلامي المنضبط بالشرع، ولو كان أصله ربوياً، بل ينبغي تشجيع البنوك على التخلص من الربا، وضبط معاملاتها بالشرع، ونحن لا علم لنا بالبنك المذكور ولا بجدية تحوله إلى بنك إسلامي.
ثانيا:
الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأنه إن كان بفائدة فهو القرض الربوي الصريح، وإن كان بغير فائدة فهو من إعانة البنك على الربا، لأنه معلوم أن البنك يستفيد ويتقوى بهذه الأموال.
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب: الضرورة تقدّر بقدرها، وارتكاب أخف الضررين، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي.
وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما قولكم -وفقكم الله- فيمن يودع أمواله لدى البنوك التي تتعامل بالربا، وتستعين بما لديها من ودائع الناس في المعاملات الربوية، مع العلم أن هذا المودع يستطيع حفظ ماله عن السراق بالصناديق المحكمة والخاصة بحفظ الأموال؟
فأجابوا: "إذا كان البنك يستعين بما وضعه لديهم المودع من الأموال في المعاملات الربوية، وكان صاحب المال يستطيع أن يحفظ ماله من السراق ونحوهم بطرق أخرى ليس فيها ربا - حرم عليه إيداعه في البنك وغيره ممن يستعمله في معاملات محرمة، ويستعين به على ارتكاب المنكرات، فإن وسيلة الشر شر، والإعانة على فعل المحرم حرام، والوسائل لها حكم الغايات" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 343).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول، فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: "لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله؛ للضرورة، والله سبحانه يقول: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ومتى وجد بنكا إسلاميا أو محلا أمينا ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/ 414).
والله أعلم.
... وقد ورد عن الشيخ العثيمين رحمه الله ما يوافق ذلك:
وضع الأموال في البنوك الربوية
هل يجوز لي أن أُبقي أموالي في البنك للتعاملات فقط إذا رفضت أخذ أي فائدة على النقود المودعة. ولكن بالطبع سيأخذ البنك فائدة هذا المبلغ الربوي لأنفسهم
الحمد لله
إيداع الأموال في البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز ولا يلجأ إليه المسلم إلا مضطراً وهذا لا يكون إلا بشروط ثلاثة:
1 - الحاجة إلى ذلك، وذلك بألا يوجد مكان تؤمن فيه الأموال إلا هذه البنوك. فإذا وجد مكان آخر يمكن حفظ الأموال فيه غير هذا البنك الربوي لم يجز وضع الأموال في البنك الذي يتعامل بالربا.
2 - ألا تكون معاملة البنوك ربوية مائة بالمائة، فإن كانت معاملة البنوك ربوية مائة بالمائة فإنه لا يجوز الإيداع فيها مطلقا، لأنك إذا أودع الأموال فيها في هذه الحال تكون فإنك تتيقن أنك أعنت البنك على الربا، وإعانته على الربا لا تجوز.
3 - ألا يأخذ المودع ربحا، فإن أخذ ربحا صار ذلك ربا، والربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
وأما قول السائل إنه إذا لم يأخذ الفائدة أخذها البنك.
فهذه ليست فائدة وإنما ربا محرم وهي أصلاً للبنك، ولا يحق للمودع أن يأخذ منها شيئا، لأن الله تعالى أمر بترك الربا، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/278. وتوعد من أخذ الربا بقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/278 - 279.
وينبغي التنبه إلى أن إيداع هذه الأموال في البنك ليس إيداعا بالمعنى الشرعي، لأن الإيداع شرعاً أن تعطيه مالك، ويبقى مالك على ما هو عليه أمانة عنده لا يتصرف فيه، أما ما يتصرف فيه البنك فهو شرعاً قرض وليس بإيداع، وقد نص الفقهاء على ذلك، أنه إذا أَذِن المودِع للمودَع بالتصرف في المال فإنه يكون بذلك قرضاً. (ولذلك تكون إدخال الزيادة عليه رباً)
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
يراجع فتاوى منار الإسلام 2/ 433 - 440 للشيخ ابن عثيمين.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
* والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥