ذلك لأن الإسلام لا يرتبط عزه بالعرب فقط بل قد يعزه الله بغيرهم من المؤمنين كما وقع ذلك زمن الدولة العثمانية لا سيما في أوائل أمرها فقد أعز الله بهم الإسلام حتى امتد سلطانه إلى أواسط أوربا، ثم لما أخذوا يحيدون عن الشريعة إلى القوانين الأوربية (يستبدلون الأدنى بالذي هو خير) تقلص سلطانهم عن تلك البلاد و غيرها حتى لقد زال عن بلادهم! فلم يبق فيها من المظاهر التي تدل على إسلامهم إلا الشيء اليسير! فذل بذلك المسلمون جميعا بعد عزهم و دخل الكفار بلادهم و استذلوهم إلا قليلا منها، و هذه و إن سلمت من استعمارهم إياها ظاهرا فهي تستعمرها بالخفاء تحت ستار المشاريع الكثيرة كالاقتصاد و نحوه! فثبت أن الإسلام يعز و يذل بعز أهله و ذله سواء كانوا عربا أو عجما، " و لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، فاللهم أعز المسلمين و ألهمهم الرجوع إلى كتابك و سنة نبيك حتى تعز بهم الإسلام.
بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم، بل هذا هو الذي أؤمن به و أعتقده و أدين الله به - و إن كنت ألبانيا فإني مسلم و لله الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة و الجماعة، و يدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم و اصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، و اصطفى من بني كنانة قريشا، و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم "
رواه أحمد (4/ 107) و الترمذي (4/ 392) و صححه و أصله في " صحيح مسلم " (7/ 48) و كذا البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 6) من حديث واثلة بن الأسقع، و له شاهد عن العباس بن عبد المطلب، عند الترمذي و صححه، و أحمد، و آخر عن ابن عمر عند الحاكم (4/ 86) و صححه.
و لكن هذا ينبغي ألا يحمل العربي على الافتخار بجنسه، لأنه من أمور الجاهلية التي أبطلها نبينا محمد العربي صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، كما ينبغي أن لا نجهل السبب الذي به استحق العرب الأفضلية، و هو ما اختصوا به في عقولهم و ألسنتهم و أخلاقهم و أعمالهم، الأمر الذي أهلهم لأن يكونوا حملة الدعوة الإسلامية إلى الأمم الأخرى، فإنه إذا عرف العربي هذا و حافظ عليه أمكنه أن يكون مثل سلفه عضوا صالحا في حمل الدعوة الإسلامية، أما إذا هو تجرد من ذلك فليس له من الفضل شيء، بل الأعجمي الذي تخلق بالأخلاق الإسلامية هو خير
منه دون شك و لا ريب، إذ الفضل الحقيقي إنما هو اتباع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان و العلم، فكل من كان فيه أمكن، كان أفضل، و الفضل إنما هو بالأسماء المحددة في الكتاب و السنة مثل الإسلام و الإيمان و البر و التقوى و العلم، و العمل الصالح و الإحسان و نحو ذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو أعجميا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، و إلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم، و لهذا قال
الشاعر العربي:
لسنا و إن أحسابنا كرمت ***** يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ***** تبني و نفعل مثل ما فعلوا
و جملة القول: إن فضل العرب إنما هو لمزايا تحققت فيهم فإذا ذهبت بسبب إهمالهم لإسلامهم ذهب فضلهم، و من أخذ بها من الأعاجم كان خيرا منهم، " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى "، و من هنا يظهر ضلال من يدعو إلى العروبة و هو لا يتصف بشيء من خصائصها المفضلة، بل هو أوربي قلبا و قالبا
قال ابن باز رحمه الله في نقد القومية العربية من مجموع الفتاوى و المقالات
فلا يشك مسلم له أدنى بصيرة بالتاريخ الإسلامي في فضل العرب المسلمين، وما قاموا به من حمل رسالة الإسلام في القرون المفضلة، وتبليغه لكافة الشعوب، والصدق في الدعوة إليه، والجهاد لنشره والدفاع عنه، وتحمل المشاق العظيمة في ذلك، حتى أظهرها الله على أيديهم وخفقت رايته في غالب المعمورة .......
¥