والعقاد لا يصلي على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين التحدث عنه إلا قليلاً ويقول (عليه السلام) (9)، ينظر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أنه عبقري من العباقرة، ويعرض سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمن الحديث عن (العباقرة)، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبقري من العباقرة بيد أنه أفضلهم، هذا ما نفهمه من تسمية العقاد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعبقري، وما نفهمه من سرده لسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سياق العباقرة.
كان العقاد يعتنق فكرَ بعضِ المستشرقين القائم على أولية الفرد وأحقيته في صناعة التاريخ، يقول أن التاريخ يصنعه أفراد، كان لا يؤمن بالجانب الجماعي، وكان يشكك في دور العقائد والتربية في توجيه الأشخاص، فالعظيم عظيم بفطرته، والعبقري عبقري منذ نشأته، والعوامل الوراثية والتكوين الجسماني والعصبي، في المرتبة الأولى ـ عند العقاد ـ في توجيه الشخصية. ولذا تراه قد هاجم الفاشية في كتابه (هتلر في الميزان)، والشيوعية في كتابه (الشيوعية والإنسانية) و (أفيون الشعوب)، وهاجم جماعية الإسلام في (العبقريات).
ولذا لم نرَ أثراً في كتابات العقاد للإسلام في بناء شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا في تحليل سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقارن بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره (نابليون مثلا) في النواحي المادية والعسكرية. وجعل إيمان الصحابة بسبب انبهارهم بشخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وهذا الكلام من عند غيرنا، لا نعرفه، ولا يقر به عاقل. وقد قمت بتتبع شخصية خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ لأبين أثر العقيدة في بناء الشخصية (10)، وهو ما لا يقر به العقاد، بل يتنكر له رغم أنه كشمس الضحى في يوم صائف في بيدٍ جرداء.
قلتُ: ولذا اهتم الغرب بترجمة كتابين للعقاد هما كتاب (الله) و (العبقريات) ونشروهم، لماذا؟
لأن العقاد في هاذين الكتابين ينطق بقولهم، وقد رأيتُ ناهد متولي ـ وهي مجرمة جهدها في الصدِّ عن دين ربها ـ في إحدى حلقات برنامج أسئلة عن الإيمان تثني على العقاد وكتاب العقاد (الله) جل جلاله، ووجدت الكذاب اللئيم زكريا بطرس في ذات الحلقة وفي غيرها يستدعي العقاد شاهداً على (صحة) عقيدة النصارى!!
لهذا أخذ العقاد كل هذا الحجم في حسِّ الصاعدين دون أن يعلموا لماذا؟
نفخوا فيه لأنه يتكلم بكلامهم .. لأنه مربوطٌ بآخيتهم ويرعى من خضرائهم ثم يأتينا بليلٍ .. يكدر صفو مائنا .. يذهب بطهارة ونقاوة فكرنا .. ونحن نهلل فرحين مسرورين!!
ولا زال (النفخ) مستمراً، تجد قزماً قد رفعوه، وعظيماً قد تجمعوا عليه ليقبروه، فاليوم يُصدَّرُ لنا أشباه الرجال ليأخذوا بأيدينا (على خطى الحبيب)، وهم في حقيقة أمرهم أبعد الناس من هدي الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتجد الذي يجيء ويروح هو من يحمل أفكار القوم ـ أو القوم ـ على ظهره، ويحاول أن يوطنهم في حصوننا العقدية وثوابتنا الفكرية. ولكننا صحونا، ولم يعد يجدي النفخ. هاج البحر، وعلى الأطفال أن تلعب بعيداً أو هو الغرق وإن استعملوا ما نفخوه!!
أبو جلال/ محمد جلال القصاص
[email protected] ([email protected])
=======================================
(1) القرية هي قرية سجين الكوم بمحافظة الغربية في مصر. ويقال للنهر الصغير في عرف أهل مصر بحر، ولذا تجد في التاريخ (المماليك البحرية) نسبة لنهر النيل إذْ كانوا يسمونه بحر النيل، وكانت قلعتهم في جزيرة تطل عليه.
(2) البلايا جمع بلية وهي المصيبة. و (البلايا) تستمع علم على الدواب كانت تقتل على قبور أصحابها في الجاهلية كي يركبوها للمحشر يوم يحشرون. انظر المفصل في تاريخ العرب ج11/ 117، وما بعدها.
(3) انظر للأستاذ أنور الجندي (الوجه الآخر لطه حسين) و (طه حسين .. حياته وفكره في ميزان الإسلام) و (هل غير طه حسين آرائه في سنواته الأخيرة). وانظر (طه حسين في ميزان العلماء والأدباء). وعند الشيخ سليمان الخراشي في صفحته الخاصة كلام طيب وبحوث نافعة عن هؤلاء المنفوخين المستعملين من أمثال طه حسين وقاسم أمين وغيره. وكذا عند الشيخ محمد اسماعيل المقدم في سفره الماتع (معركة الحجاب والسفور) وفي دروسه في صفحته الخاصة بموقع طريق الإسلام. وفي و (هل غير طه حسين آرائه في سنواته الأخيرة) نقل الأستاذ أنور الجندي شهادة أصدقاء طه حسين على كثير من أحواله، وهي والله أقبح وأخس مما ذكرت في المقال، وتركت ما قال الشيخ هناك تعففاً إذ ما يعنيني هو إيصال بعض المفاهيم لا التحقيق والتأصيل. ونقل في ذات الرسالة شهادة الأستاذ فريد شحاته سكرتير طه حسين لنصف قرن من الزمن تقريباً على أنه كان نصرانياً، نقلها على لسان شاهد آخر هو (الأستاذ الكبير أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة، والمؤرخ الكبير الذي عايش الأحداث في مجلة وزارة الثقافة) على حد تعبير الأستاذ أنور الجندي. والرسالة صغيرة (10 صفحات فقط).
(4) وهذه النقطة عند كلهم، وهذه النقطة عند كلهم، وهي آخية النصارى جميعاً .. نفي النبوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسيأتي العقاد نموذجاً لهم.
(5) رسالة (الله).ص /6. ط.نهضة مصر.
(6) مسند أحمد /21357
(7) راجع تفسير ابن كثير لقول الله تعالى {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
(8) ذكر في مقدمة الكتاب بعض هؤلاء.وكذا ذكر بعضهم في مقدمة (عبقرية محمد) صلى الله عليه وسلم.
(9) وهي موضة عند هذا الجيل وهذا النوع من الكتاب، وتجدها واضحة جداً عن جواد علي في كتابه المفصل، لا يصلي على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبداً. قلت ذلك لأن أمر الرسالة هين في نظر هؤلاء وربما غير موجود. وإن كان جواد علي عندي أهون بكثير من العقاد ومن على شاكلته.
(10) http://www.islamway.com/?iw_s=Articl...rticle_id=2331 (http://www.islamway.com/?iw_s=Article&...article_id=2331)
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=575
¥