تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وممن جزم من العلماء بأن القبلة الأولى كانت صخرة بيت المقدس، وأنها كانت قبلة اليهود: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم – رحمهما الله تعالى-.

وأخيراً: لا شك أن اعتقاد كون الصخرة خاصة قبلة المسلمين الأولى يحتاج إلى دليل قطعي يعتمد عليه، ومهما كان الأمر، فعلى افتراض صحة ذلك فإن الأمر لا يعدو القول بأن صخرة المقدس كانت قبلة للمسلمين فترة وجيزة، ثم نسخت بالكعبة.

حكم تقديس الصخرة

لايجوز؛ لمايلي:

1 - إن المسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة من حيث جواز شد الرحال إليه، ومضاعفة الصلاة فيه.

جاء في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى) (14).

وقد روي أن الصلاة فيه تضاعف بخمسمائة صلاة (15)، وروي بغير ذلك (16).

2 - إن الإسراء بالرسول – صلى الله عليه وسلم- كان إلى المسجد الأقصى، ثم العروج منه إلى السماء، كما قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (17).

3 - إن الأقصى اسم للمسجد كله، ولا يختص بالمسجد القائم بالناحية القبلية الجنوبية، كما يظنه بعض الناس (18).

4 - ليس ببيت المقدس مكان يُقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-. (19)

5 - العبادات المشروعة في المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم- وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام، فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد: الطواف بالكعبة، واستلام الركنين اليمانيين، وتقبيل الحرج الأسود. وأما مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يُطاف فيه، ولا ما يُتمَسَّحُ به، ولا ما يُقبل، فهذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-. (20)

6 - زيارة المسجد الأقصى للصلاة فيه، والدعاء والذكر والقراءة، والاعتكاف مشروعة في أي وقت، ولا علاقة لهذه الزيارة بالحج، كما ظنه بعضهم (21).

من خلال ما سبق اتضح لنا عدم اختصاص الصخرة بمزية معينة في الإسلام، وإنما هي واقعة ضمن حدود المسجد الأقصى، وتسري عليها أحكامه، كمضاعفة الصلاة عندها.

وإن قصارى ما يمكن أن يقال عن مكانتها في الإسلام أنها كانت قبلة لليهود، وأما المسلمون فقد كانت قبلة لهم فترة من الزمن أول الإسلام، ثم نسخ ذلك باستقبال الكعبة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الصخرة (كانت قبلة، ثم نُسخت، وهي قبلة اليهود، فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت) (22).

وقال ابن القيم – رحمه الله -: (وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة لليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية: الكعبة البيت الحرام) (23).

وبما أن العبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع؛ فلا يجوز تخصيص تلك الصخرة بعبادة، كتخصيص زيارتها للصلاة عندها، كما لا يجوز تعظيمها، ولا التبرك بأي وجه كان، كتقبيلها، أو التمسح بها، أو الطواف حولها، ونحو ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: (لا تُستحب زيارة الصخرة، بل المستحب أن يصلى في قبليّ المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين) (24).

وقال - رحمه الله - عن حكم الطواف بغير الكعبة: (لا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي – صلى الله عليه وسلم-، ولا يغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين، ولا بصخرة بيت المقدس، ولا بغير هؤلاء ... بل ليس في الأرض مكان يطاف به كما يُطاف بالكعبة) (25).

وذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - من بدع بيت القدس: تعظيم الصخرة بأي نوع من أنواع التعظيم، كالطواف بقبتها تشبهاً بالطواف بالكعبة، أو التمسح بالصخرة، أو تقبيلها، ونحو ذلك (26).

ومن الأدلة على ماسبق أيضًا:

أولاً: لم يرد في مشروعية ذلك دليل من الكتاب ولا من السنة.

ثانياً: لم يفعل ذلك الصحابة ولا التابعون ممن زار منهم بيت المقدس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير