ثالثاً: إن تعظيم الصخرة وتقدسيها فيه مشابهة لليهود (27)، وقد أُمرنا بمخالفة الكفار، ونُهينا عن التشبه بهم وخاصة أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى.
ولهذا فإن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- حين كان في بيت المقدس لما أشار عليه كعب الأحبار أن يصلي خلف الصخرة أنكر عليه ذلك وقال: (ضاهيت اليهودية، لا. ولكن أصلي حيث صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فتقدم إلى القبلة فصلى) (28).
وفي قول عمر (ضاهيت اليهودية) إشارة إلى أن تعظيم الصخرة من شأن اليهودية، فكيف نتشبه بهم في ذلك؟.
هل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم عندها؟
لم أقف على دليل صحيح يثبت صلاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- عند الصخرة، بل جاء في مسند الإمام أحمد في قصة بيت المقدس – كما تقدم (29) – قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لكعب لما أشار عليه بالصلاة خلف الصخرة: (لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فتقدم إلى القبلة فصلى).
هل عُرج بالرسول صلى الله عليه وسلم من عندها؟
إن الروايات الصحيحة لحديث الإسراء والمعراج لم تحدد موضع العروج من المسجد الأقصى، لا الصخرة ولا غيرها.
فقد جاء في صحيح مسلم على سبيل المثال في النبي – صلى الله عليه وسلم-: (ثم عُرج بنا إلى السماء) (30).
تحقيق ماورد في فضلها
لقد وردت عدة أحاديث وآثار في فضل الصخرة، منها المرفوع والموقوف والمقطوع.
ولكن بعد التأمل فيها ودراسة أسانيدها اتضح أنها لا تنهض دليلاً على أن الصخرة مزية تُعظم لأجلها، ولهذا قطع العلامة ابن القيم – رحمه الله- بأن كل حديث في الصخرة فهو كذب مُفترى (31).
قد يتعلق البعض بما أُثر أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- حين فتح بيت المقدس أمر بإزالة ما على الصخرة من كناسة كانت النصارى قد ألقتها عليها (32)، حتى إنه كنسها بردائه وكنس الناس (33).
والرد على هذه الشبهة:
لأن يُقال: إن ما فعله عمر – رضي الله عنه- لا يدل على تعظيم الصخرة ولا تقديسها، حيث إن الأمر لم يتجاوز إزالة قمامة موضوعة في بعض أجزاء المسجد الأقصى– والصخرة تقع في وسط المسجد الأقصى كما تقدم-.
والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لم يصلِ عند الصخرة ولا تمسَّح بها، بل تقدم وصلى في قبليّ المسجد، مع أنه كان بإمكانه أن يصلي خلف الصخرة مستقبلاً القبلة كما أشار عليه كعب، ولكنه – رضي الله عنه- لم يفعل ذلك.
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله- بعد سياقه قصة عمر – رضي الله عنه-: (فلم يعظّم الصخرة تعظيماً يصلي وراءها وهي بين يديه، كما أشار كعب الأحبار - وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم، ولكن منَّ الله عليه بالإسلام فهُدي إلى الحق – ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين عمر (ضاهيت اليهودية) ولا أهانها إهانة النصارى، الذين كانوا قد جعلوها مزبلة، من أجل أنها قبلة اليهود، ولكن أماط عنها الأذى، وكنس عنها الكناسة بردائة.
وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (34)) (35).
لماذا بنى عبدالملك القُبّة؟
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – عند كلامه عن بناء تلك القبة وسبب ذلك- أنه لم يكن على عهد الخلفاء الراشدين على الصخرة قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان، ولكن لما تولى ابن عبدالملك الشام، ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة المعروفة، كان الناس يحجّون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبدالملك أن يصرف الناس عن ابن الزبير، فبنى القبة على الصخرة، وكساها في الشتاء والصيف ليرغّب الناس في زيارة بيت المقدس، ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير (36).
إجابة عن شبهة
يعتقد بعض الناس وجود بعض الآثار النبوية وغيرها في صخرة بيت المقدس، وأن هذا من دواعي التبر بها وتقديسها.
ولقد أجاب العلماء المحققون عن هذه المزاعم، فأنكروا صحتها، وبينوا بطلانها، وأنها لا أصل لها ولا سند إلا مجرد الشهرة فقط بين أوساط جهلة الناس.
ومن أشهر ما نسب للصخرة من الآثار: أثر قدم النبي – صلى الله عليه وسلم- في أعلى الصخرة عندما صعد عليها ليلة المعراج.
¥