و هذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل. لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الجسام. فقاس صفة الحق عليه.
فأين هؤلاء و اتباع الأثر؟
و لقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين.
و اعلم أيها الطالب للرشاد، أنه سبق إلينا من العقل و النقل أصلان راسخان عليهما مر الأحاديث كلها.
أما النقل فقوله سبحانه و تعالى: ليس كمثله شيء. و من فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس.
و أما العقل، فإنه قد علم مباينه الصانع للمصنوعات، و استدل على حدوثها بتغيرها، و دخول الإنفعال عليها، فثبت له قدم الصانع.
واعجباً كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام.
صيد الخاطر - (1/ 61)
فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه، بما قد دل الدليل على تنزيهه عنه؟
صيد الخاطر - (1/ 75)
فما نقل عنهم إنهم تكلموا في تلاوة و متلو، و قراءة و مقروء، و لا إنهم قالوا استوى بمعنى استولى، و يتنزل بمعنى يرحم.
بل قنعوا بإثبات الجمل التي تثبت التعظيم عند النفوس، و كفوا كف الخيال بقوله: ليس كمثله شيء.
ثم هذا منكر و نكير إنما يسألان عن الأصول المجملة فيقولان: من ربك؟ و ما دينك؟ و من نبيك؟.
و من فهم هذا الفصل سلم من تشبيه المجسمة، و تعطيل العطلة، و وقف علىجادة السلف الأول، و الله الموفق.
صيد الخاطر - (1/ 84)
قوله تعالى: استوى على العرش و قوله تعالى: بل يداه مبسوطتان و قوله تعالى و لتصنع على عيني و قول النبي صلى الله عليه و سلم: ينزل الله إلى السماء الدنيا و يبسط يده لمسيء الليل و النهار، و يضحك و يغضب.
كل هذه الأشياء ـ و إن كان ظاهراً يوجب تخايل التشبيه، فالمراد منها إثبات موجود فلما علم الشرع ما يطرق القلوب من التوهمات عند سماعها، قطع ذلك بقوله: ليس كمثله شيء.
صيد الخاطر - (1/ 85)
و جاء آخرون فلم يقفوا على ما حده الشرع، بل عملوا فيه بآرائهم فقالوا: الله على العرش، و لم يقنعوا بقوله: ثم استوى على العرش.
و دفن لهم أقوام من سلفهم دفائن، و وضعت لهم الملاحدة أحاديث، فلم يعلموا ما يجوز عليه ممالا يجوز، فأثبتوا بها صفاته، و جمهور الصحيح منها آت على توسع العرب، فأخذوهم على الظاهر، فكانوا في ضرب المثل كجحا فإن أمه قالت له: إحفظ الباب، فقلعه و مشى به، فأخذ ما في الدار، فلامته أمه. فقال: إنما قلت إحفظ الباب، و ما قلت إحفظ الدار.
و لما تخايلوا صورة عظيمة على العرش، أخذوا يتأولون ما ينافي وجودها على العرش، مثل قوله: [و من أتاني يمشي، أتيته هرولة]. فقالوا: ليس المراد به دنو الإقتراب، و إنما المراد قرب المنزل و الحظ.
و قالوا في قوله تعالى: إلا أن يأتيهم الله في ظلل: هو محمول على ظاهرها في مجيء الذات. فهم يحلونه عاماً و يحرمونه عاماً.
و يسمون الإضافات إلى الله تعالى صفات، فإنه قد أضاف إليه النفخ و الروح.
و أثبتوا خلقه باليد، فلو قالوا خلقه لم يمكن إنكار هذا بل قالوا هي صفة تولى بها خلق آدم دون غيره.
فأي مزية كانت تكون لآدم؟
فشغلهم النظر في فضيلة آدم، عن النظر إلى ما هو يليق بالحق مما لا يليق به.
فإنه لا يجوز عليه المس، و لا العمل بالآلات، و إنما آدم أضافه إليه، فقالوا: نطلق على الله تعالى إسم الصورة لقوله: خلق آدم على صورته.
صيد الخاطر - (1/ 138)
و تهافت العوام في الشبهة أحب إلي من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات، فيطمعوا و يخافوا شيئاً قد أنسوا إلى ما يخاف مثله و يرجى.
فالتنزيه يرمي بهم إلى النفي، و لا طمع و لا مخافة من النفي.
و من تدبر الشريعة رآها عامة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال: نعم، فلم يكفر من هذا القول.
صيد الخاطر - (1/ 289)
و ذلك أنه إذا طلبت معرفة ذات الخالق سبحانه من العقل فزع إلى الحس فوقع التشبيه.
فالاحتراز من العقل بالعقل هو أن ينظر، فيعلم أنه لا يجوز أن يكون جسماً، و لا شبهاً لشيء.
صيد الخاطر - (1/ 55)
كثر ضجيجي من مرضي، و عجزت عن طب نفسي، فلجأت إلى قبور الصالحين، و توسلت في صلاحي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهةمني، ورد قلبي علي بعد نفور مني، وأراني عيب ما كنت أوثره.
أما النقل الآتي فهو يدل على شدة افتقاره وتعظيمه لربه، وهو من أعجب ما في هذا الكتاب الفريد صيد الخاطر - (1/ 359) قال - رحمه الله تعالى -:
و الله ما أجد لنفسي خلة أستحسن أن أقول متوسلاً بها: اللهم اغفر لي كذا بكذا.
و الله ما ألتفت قط إلا وجدت منه سبحانه براً يكفيني، و وقاية تحميني، مع تسلط الأعداء.
و لا عرضت حاجة فمددت يدي إلا قضاها. هذا فعله معي، و هو رب غني عني، و هذا فعلي و أنا عبد فقير إليه.
و لا عذر لي فأقول: ما دريت أو سهوت.
و الله لقد خلقني خلقاً صحيحاً سليماً، و نور قلبي بالفطنة، حتى أن الغائبات و المكتومات تنكشف لفهمي.
فوا حسرتاه على عمر انقضى فيما لا يطابق الرضى.
وا حرماني لمقامات الرجال الفطناء. يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، و شماتة العدو بي.
وا خيبة من أحسن الظن بي إذا شهدت الجوارح علي.
وا خذلاني عند إقامة الحجة، سخر و الله مني الشيطان و أنا الفطن.
اللهم توبة خالصة من هذه الأقذار، و نهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار.
و قد جئتك بعد الخمسين و أنا من خلق المتاع.
و أبى العلم إلا أن يأخذ بيدي إلى معدن الكرم، و ليس لي وسيلة إلا التأسف و الندم.
فو الله ما عصيتك جاهلاً بمقادر نعمك، و لا ناسياً لما أسلفت من كرمك، فاغفر لي سالف فعلي.
بقي الحلقة الأخيرة
¥