[النكاح بنية الطلاق والواقع المؤسف ... د. يوسف بن أحمد القاسم]
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[04 - 03 - 09, 12:35 ص]ـ
في كل إجازة يتجه شباب وكهول شطر بعض الدول العربية والإسلامية ليعقدوا عقد قرانهم على بنات في سن الشباب, وكثيراً ما يعقد الرجل والرجلان في السفرة الواحدة على امرأتين أو ثلاث أو أربع, وربما تبادلا الأدوار بعد انتهاء عدة كل واحدة منهما ... ! فيتقدم هذا لزوجة ذاك, ويتقدم ذاك لزوجة هذا, وكل هذه الزيجات تُعقد بنية الطلاق ... ! فالرجل ينكح المرأة لا ليسكن إليها, ويرتبط معها برابطة المحبة والمودة والرحمة, وينجب منها الأبناء والبنات (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، ولكنه ينكحها ليستمتع بها, ثم يطلقها؛ أي لينزو عليها كما ينزو الحمار على الأتان, وكما ينزو البعير على الناقة- لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة ... - ثم ينزل عنها, لينزو على ثانية وثالثة, وهكذا ... , بل إن فحول بعض الحيوانات أكثر مودة ورحمة من بعض أولئك الفحول الآدميين!!
وبعض من يمارس هذا الجنس ( ... ) يحتج برأي جمهور الفقهاء الذين قالوا بجواز النكاح بنية الطلاق، والواقع أن من يحتج بذلك فقد أبعد النجعة؛ لمبررات عدة, منها:
1 - أن أقوال الفقهاء ليست أدلة يحتج بها, ولكنها آراء يُستضاء بها, ولا يحتج العالم ولا المقلد إلاّ بالأدلة الشرعية فقط.
2 - أن العامي المقلد لا يجوز له أن يتتبع الرخص, بحيث يقلد القول بالجواز في هذه المسألة بحجة أنه رأي الجمهور, في الوقت الذي لا يقلد فيه رأي الجمهور في المسائل الأخرى، وتتبع الرخص أو البحث عما يجم النفس ويريحها في أقوال الفقهاء, سقطة خطيرة, وهي في نفس الوقت مما يبعث في النفس الشك والريبة, ولهذا جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وهل تطمئن نفس المؤمن ويسكن قلبه لنكاحٍ يخدع فيه المرأة, ويبدي لها فيه صدق المودة والمحبة, وهو يضمر الفرقة والطلاق خلال أيام قلائل؟
3 - أن من يجيز هذا النكاح لابنة غيره لصالح نفسه, لا يرضاه لابنته وأخته لصالح غيره, فكيف يحتج بآراء الفقهاء على فعل نفسه, ولا يحتج بها على فعل غيره؟ .. وكيف يسمح هذا الزوج لنفسه أن يخادع غيره بإضمار نية الطلاق, ولا يسمح لغيره أن يخادعه بإضمار هذه النية؟، وإذا كانت نية التحليل للمطلق ثلاثاً محرمة, وباطلة شرعاً, ومبطلة للنكاح, فكيف إذن تجوز نية إضمار الطلاق عند عقد النكاح, وكلاهما في الظاهر قد توفرت فيهما أركان النكاح, وشروطه؟!
4 - أن الفقهاء الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق, لم يجيزوه بالصورة التي نراها اليوم (رحم الله القرافي حين نبه في كتابه الفروق 3/ 162 على خطر نقل كلام الفقهاء دون استيعاب للسياق الذي جاء فيه, وأن هذا المعنى: "قد غفل عنه كثير من الفقهاء, ووجدوا الأئمة الأول قد أفتوا بفتاوى؛ بناء على عوائد لهم, وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم, ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها, وقد زالت تلك العوائد, فكانوا مخطئين خارقين للإجماع)، ففي صورة إجازة الجمهور للنكاح بنية الطلاق, لم يجيزوه بالصورة التي نراها اليوم, بحيث ينشئ السفر, ويحزم أمتعته؛ لغرض النكاح بنية الطلاق, ولأجل أن يشبع شهوته الجنسية, وحسب, وإنما من أجاز هذا النكاح, فهو إنما أجازه في عصرٍ له ظروفه وحاجاته الخاصة, حين كان الرجل يسافر لمدة طويلة, فيسافر لا لغرض النكاح بنية الطلاق, وإنما لغرض طلب العلم, أو الرزق (التجارة) , أو العلاج ... الخ, وحيث إنه يبقى لمدة طويلة, بسبب بُعْد الشقة, وتواضع وسائل المواصلات في ذلك الوقت, فربما تعرض لطول المدة (التي قد تستمر لشهور, وربما سنين) إلى الفتنة بالنساء لبعد عهده بهن, لذلك قالوا بالجواز, لاسيما وأن كثيراً من تلك الزيجات قد تستمر بسبب ما يكون بين الزوجين من المودة والسكن, فيتراجع الزوج عن النية التي بيَّتها للطلاق؛ لأن نيته في الأساس كانت نية طيبة, لا خبيثة.
¥