تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر الحافظ في الفتح (5/ 91،92) أن عمر بن شبة رواه في أخبار مكة من طريق ابن جريج: أن نافع بن عبد الحارث .. فذكره، فأسقط عبد الرحمن، والصحيح أن ابن جريج يرويه عن عبد الرحمن أيضاً، كما روى ذلك عبد الرزاق في مصنفه (5/ 147،148).

ومع هذا يظهر لي والله أعلم أن هذا الأثر مما يحتج به، خاصة أن عمرو بن دينار كان يفتي به، ويحتج به، وكذلك كان الإمام أحمد يحتج به، فذكره في معرض الاستدلال على جواز بيع العربون كما نقله عنه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير (4/ 59) قالا: قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه. وذكر الأثرم هذ الحديث ا بإسناده.

ونقله عنه ابن القيم أيضاً في بدائع الفوائد (4/ 84).

ومما يقوي هذا الحديث أيضا أن قصة شراء عمر بن الخطاب داراً للسجن بمكة من صفوان بن أمية ـ قد اشتهرت بين أهل العلم، وبين من كتب في تاريخ مكة، مثل: الأزرقي، والفاكهي، وابن شبة، حتى إنها كانت موجودة في عصر الفاكهي، وكانت لا تزال سجن مكة، فليراجع، والله أعلم.

ثم إنهم قد أجابوا عن حديث النهي بتضعيفه، لعدم معرفة الثقة الذي روى عنه مالك، وهو مشهور من طريق ابن لهيعة رحمه الله.

وقد ضعفه الإمام أحمد بقوله عندما سئل عنه: ليس بشيء. نقله ابن القيم في البدائع (4/ 84).

وضعفه البيهقي (المعرفة 4/ 380)، والنووي في المجموع (9/ 335)، والمنذري في مختصر السنن (عون 9/ 399)، وابن حجر في التلخيص (3/ 17)، والألباني في ضعيف الجامع الصغير (6073)،

وفي المشكاة (2864)، وقواه بمجموع طرقه الزرقاني في شرح الموطأ (3/ 250)، والشوكاني في النيل (5/ 153).

والأقرب ـ والله أعلم ـ هو ضعف هذا الحديث، وعدم انتهاضه للاحتجاج، خاصة أنه يدور على هذا المبهم، وكل من ذكر أهل العلم أنه هو المبهم فإنه إما يكون ضعيفاً، أو الطريق إليه لا تصح، فتأمل.

بقي أن يجاب عن علة تحريم بيع العربون عند من يحرمه، وهو أكل أموال الناس بالباطل، وانه من الميسر، وأن فيه غرراً وجهالة .. الخ.

فيقول الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح البلوغ ص100:" الجهالة في بيع العربون ليست جهالة ميسر، لأن جهالة الميسر يكون فيه المتعاملان بين الغنم والغرم، أما هذه فإن البائع ليس بغارم، بل البائع غانم، وغاية ما هنالك أن ترد إليه سلعته، ومن المعلوم أن المشتري لو شرط الخيار لنفسه مدة يوم أو يومين كان ذلك جائزاً، وبيع العربون يشبه شرط الخيار، إلا أنه يعطى للبائع جزء من الثمن إذا رد إليه السلعة، لأن قيمتها قد تنقص إذا علم الناس بهذا، ولو على سبيل التقديم، ففيه مصلحة.

وفيه أيضاً مصلحة للبائع من وجه آخر، أن المشتري إذا سلم العربون فإن في هذا دافع لتتميم البيعة.

وفيه كذلك مصلحة للمشتري، لأنه يكون بالخيار في رد السلعة إذا دفع العربون، بينما لو لم يدفعه للزمه البيع". ا. هـ مختصراً

قلت: ومما يدل كذلك على أن فيه مصلحة راجحة، أن عدم اشتراطه قد يسبب خصومات ومفاسد كبيرة، خاصة في الاستصناع، حيث يصنع العامل للمشتري ما يريد، فيضمن العربون للعامل أخذ المشتري للبضاعة، ويضمن للمشتري عدم غش الصانع، أو بيعه البضاعة لغيره، أو هروبه عنه، ومماطلته في حال لو دفع الثمن كاملاً، وفي حالة عدم دفع أي شيء من المبلغ المتفق عليه، فأصبح العربون صمام أمان في كثير من المعاملات التجارية، إن لم يكن جميعها، ومعلوم تشوف الشارع الحكيم إلى مثل هذه الأمور التي تمنع الشحناء والبغضاء والغش في التعامل بين المسلمين،وقد جرى على هذا العمل بين الناس، وقد قرر المجمع الفقهي المنعقد في دورته الثامنة من 1إلى 7 محرم 1414هـ ما يلي:

1ـ المراد ببيع العربون بيع السلعة، مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع، على أنه إذا أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع.

ويجري مجرى البيع والإجارة، لأنها بيع المنافع، ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم)، أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف)، ولا يجري في المرابحة الأمر بالشراء في مرحلة المواعدة، ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير