إنّها السيطرة، إنّها نوع من العبودية تشبه عبودية العبد للخمر أو الزنا، بل هي مرتبطة بهما ارتباطا قوياً ولهذا جمعها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فصلّى الله على من لا ينطق عن الهوى.
إنّها إذن أداة الشيطان الّتي يعبّد بها بني آدم لغير ربهم، ولهذا قال الله له: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} فصوته هو أنواع المزامير والمعازف أي آلات الموسيقى، فانظر كيف يقوم جمهور مسرح كامل من مكانه يقفزون في أماكنهم يهزون أجسادهم ورؤوسهم ويصفقون ويصيحون ويبكون ويضحكون كل هذا بسبب سيطرة الموسيقى عليهم وهو استفزاز الشيطان الذي ذكره الله في سورة الإسراء، ولو أنّ مُغنّيا فعل بصوته الأفاعيل بدون موسيقى لما أحدث من ذلك التأثير عشر معشاره.
لهذا أظنّ بل أتيقن أنّ تحريم المعازف والموسيقى ينطلق من قاعدة التوحيد، ولهذا جاء استثناء آلة الدف لقلة أثرها دون غيرها وفي مناسبات عامة كالعرس والعيد.
ولأنّ لذّة الموسيقى لذة عظيمة امتحن الله بها أهل التوحيد والعبودية له تعالى؛ فإنّه يكرمهم بها يوم القيامة، ففي الجنّة سماع الغناء والمعازف وفيها التلذذ بالحور العين وفيها أنهار الخمر، حتى لقد جاء في السنة أنّ مدمن الخمر إذا لم يتب فإنّه لا يشربها في الجنة إن دخلها.
أليس في الموسيقى فائدة؟
لا أحد ينكر لذة الاستماع للموسيقى والعزف على آلاتها، كما لا ينكر أحد لذة المعاشرة للنساء، فهذه غرائز مركوزة في الطبع البشري، لكن ليس معنى هذا جوازها وحلّها، انتبه! هذا لا يلزم منه هذا، وكم أودع الله هذه الدنيا من ملذات ومتع حرّمها علينا ابتلاء وامتحانا لعبودية العبد وتوحيده وتحرره من أيّ سلطان إلاّ سلطان الله وعبودية الله عزوجلّ.
يبقى أن نقول: إنّ ممّا يشكل على بعض الناس ما يجدونه من دراسات وأبحاث يثبت بها أصحابها أنّ للموسيقى فائدة في علاج كذا، أو في بعض الراحة النفسيّة، أو غير ذلك، ولهؤلاء أقول: اين يُذهب بكم يا إخواني؟
بغض النظر عن صحة تلك الأبحاث من عدمها فإنّي أريدكم أ تتأمّلوا هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، هل نفى الله تعالى عن الخمر كلّ منفعة؟ الجواب: لا.
وهذا مشاهد فالخمر كما يقول مدمنوه يزيد القوة الجنسية ويستعمله بعض الناس لزيادة حرارة جسمه في البلاد الباردة إضافة لكونه مصدراً للمال والكسب، وأيا كانت منافعه فالشاهد أنّ الله أبان لنا في الآية أنّ التحريم لشيءٍ مّا لا يعني أنّه لا فائدة فيه البتّة، بل النظر إلى فائدته ومضرته فأيّهما غلب كان الحكم به.
وبطبيعة الحال فإنّ الله ترك لنا النظر في كثير من الأمور بحسب هذه القاعدة والحكم بالاجتهاد فيها، لكنّه حسم النظر وأصدر الحكم في أمور معينة فانقطع بذلك باب الاجتهاد والنظر وبقي باب السمع والامتثال والطاعة.
ومن ذلك حكم الموسيقى، فلمّا جاءتنا النصوص الصحيحة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن أصحابه قاطعة بتحريم أنواع الآلات الموسيقية (المعازف) عزفا واستماعاً عرفنا أنّ ضررها أكبر من نفعها وأنّ ما يذكره بعض الناس عن منفعتها في بعض الأمور لا يتعارض مع كونها محرمة لأنّ التحريم لا يلزم منه أن يكون الشيء المحرّم ضرراً خالصاً.
أرجو بهذه الكلمات أن أكون أضفت شيئا ممّا فتح الله به من حكمته وعظيم لطفه إذ حرّم علينا هذه الخبائث السلوكية الّتي تتبع أكبر الكبائر ألا وهو الشرك، ولا يعني هذا بحال من الأحوال أنّ استماع الموسيقى أو شرب الخمر أو الزنى أو غيرها من المحرمات يكفر فاعلها أو أنه مشرك بالله، معاذ الله، بل كلّ من قال لا إله إلاّ الله واجتنب النواقض المتفق عليها فهو على عقد الإسلام ومن أهل التوحيد الذين مآلهم الجنّة ولو بعد حين، والله أعلم وأحكم.
ـ[علي الكناني]ــــــــ[21 - 03 - 09, 05:42 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[توفيق الصائغ]ــــــــ[22 - 04 - 09, 03:43 م]ـ
شكر الله لك ..
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[22 - 04 - 09, 07:29 م]ـ
صدقت يا شيخ أحمد بارك الله فيك
سؤال
ولأنّ لذّة الموسيقى لذة عظيمة امتحن الله بها أهل التوحيد والعبودية له تعالى؛ فإنّه يكرمهم بها يوم القيامة، ففي الجنّة سماع الغناء والمعازف وفيها التلذذ بالحور العين وفيها أنهار الخمر، حتى لقد جاء في السنة أنّ مدمن الخمر إذا لم يتب فإنّه لا يشربها في الجنة إن دخلها.
أنا أعرف أن في الجنة تغني الحور بأصوات جميلة
لكن ما الدليل على وجود المعازف في الجنة؟
سؤال استفهام لا استنكار
سبحان الله كنت البارحة أحدث نفسي بطرح هذا السؤال في الملتقى فإذا بك تكتب هذا الموضوع
جزيت خيراً وجعلنا الله وإياك من أهل الجنة وأبعدنا عما ما يحرم من دخولها
¥