لقد أطلق شيخ الإسلام ابن تيمية العقل من قيوده , والاجتهاد من إساره , وحرَّك عجلة الإصلاح والتغيير كي يجعل من الدين " النقي " رافعة للإنسان ترفعه من هرطقات المناطقة التي لا تقوم على أصل عقلاني ولا تزيد أتباعها إلا حيرة إلى حيرتهم وشكاً إلى شكوكهم , وترفعه من مواطن العبودية لأناس مثله لا يختلفون عنه في شيء سوى في رغباتهم الشهوانية في السيطرة عليه , وترفعه من دركات التبعية والطاعة العمياء التي تجعله يدفع لأناس مثله ماله وعرضه تحت زعم الدين وحب آل البيت رضوان الله عليهم ...
وهو أيضاً وأيضاً لم يكتف بهذا الإنتاج الفكري والكتابي الضخم فظلَّ قابعاً بين جدران مسجده أو بيته؛ بل نزل إلى الميدان ودعا الناس إلى الجهاد في سبيل الله حتى أنَّه " قاوم " الغزاة التتار بسيفه فقاتل بشجاعة وبسالة في سبيل الله مع من قاتل حتى رد الله عز وجل التتار عن ديار المسلمين خائبين صاغرين ...
وللشيخ تأثير تربويٌ هائل على طلابه ومحبيه وعلى عامة الناس. ولك أن تنظر إلى مفاعيل منهجه التربوي من خلال المرور على أسماء تلاميذ الشيخ فستجد من بينهم ابن القيم وابن كثير وابن عبدالهادي وابن مفلح والذهبي وابن دقيق العيد وغيرهم , وهم من هم في القوة والفكر والتأليف والشهرة. أما العامة فيكفيك مئات الألوف التي خرجت تُشيِّع الشيخ في جنازته المهيبة من سجنه حتى قبره.
ورغم كل ما فعله الشيخ رحمه الله فإنَّه لم يسلم من ظلم ولاة الأمر كما هو مشهور حتى أنَّه سُجِن حتى مات في سجنه قرير العين مطمئن الفؤاد مرتاح البال , حتى نُقِلت عنه تلك الجملة المشهورة " ما يفعل أعداءي بي , جنتي وبستاني في صدري , سجني خلوة , وقتلي شهادة , وإخراجي من أرضي سياحة " ...
ولذا اعتُبِر شيخ الإسلام ابن تيمية حتى من لدن الغربيين أحد عباقرة الفكر الإنساني وأحد أكثر دعاة الإسلام تأثيراً فيه إضافة إلى تأثير منهجه الفقهي الكبير الذي عُدَّ بمثابة إعادة لفتح باب الاجتهاد مرة أخرى وبطريقة لا تسمح لأحد بإغلاقه فيما بعد!
كما عُدَّ من لدن بعض الغربيين مجدداً رصيناً ومؤثراً على المستويين التكامليين الديني والعقلي حتى كانت أفكاره نواة للدعوة الوهابية وهي دعوة مثلها مثل دعوة ابن تيمية نقية وبيضاء , حتى قال أحد المفكرين الغربيين: " لقد وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض الإسلامية , فجَّر بعضها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وينتظر بعضها التفجير ". والمدهش في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنَّها جاءت لتعيد إحياء العقيدة الإسلامية وتنقيها مما علق بها من أدران الشرك والبدعة والخرافة والتبعية العمياء , ذات الأدران التي لطالما حاربها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على كل الصعد.
هل يغدو غريباً بعد ذلك أن يتم تشويه وتكفير وتبديع ولعن شيخ الإسلام ابن تيمية البطل ذو الحجة البالغة والمنطق المتماسك والمنهج القوي جداً من لدن البعض, بل وفعل الشيء نفسه مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب لمجرد أنَّهم دعوا إلى العودة إلى المعين الصافي الذي لا تكدره الدلاء؟
إنها الدعوة الربانية إيَّاها " إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد " , وهو ما يرفضه المنتفعون والسادة والملالي والأولياء , ولعل أتباعهم يقولون لي كما قال عدي بن حاتم حين سمع قول الله " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله " قال عدي: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه؟ قال عدي: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم ".
هل عرفتم الآن لماذا يكرهون ابن تيمية , ويُخوِّفون الناس من قراءة كتبه؟
كي يظلوا مسيطرين على أتباعهم , أو عبيدهم إذا شئنا الدقة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبدالله الشولاني
[email protected] ([email protected])
ـ[أبو السها]ــــــــ[01 - 04 - 09, 12:20 م]ـ
جزاك الله خيرا أخانا الفاضل همام النجدي ورحم الله شيخ الإسلام الذي لم تلد أرحام النساء بعده مثله، وأبى الله إلا أن يجعله مجاهدا في سبيله حيا وميتا.
ـ[همام النجدي]ــــــــ[01 - 04 - 09, 08:51 م]ـ
وانت كذلك أخي ابو السها ورحم الله الجميع
ـ[عبد الله الابياري]ــــــــ[01 - 04 - 09, 08:55 م]ـ
¥